أعجبتنى مقولة قرأتها لشكسبير عن المرأة: «أخاف من المرأة الذكية أكثر من الجميلة». وإذا كان هذا الرأى لمفكر وكاتب بهذا الحجم فلا بد أن نبحث ونقرأ ونعرف لماذا أصدر هذا الحكم ولماذا أيّده الكثيرون على مر العصور ومن مختلف المذاهب الأدبية. وللإنصاف فإن تراثنا الشرقى يشهد على صحة هذه المقولة، وقد خلدها بعمل أدبى تحت اسم «ألف ليلة وليلة» التى قرأناها بأكثر من لغة وشاهدناها بإبداع الكتّاب المصريين فى أكثر من عمل تليفزيونى، ولعل أشهرها ذلك الذى عُرض فى ثمانينات القرن الماضى فى أحد المواسم الرمضانية ولعبت بطولته الجميلة نجلاء فتحى التى استطاعت أن تتفوق بذكائها على شهريار الذى لعب دوره الفنان حسين فهمى، وذلك بالإضافة للعديد من الأعمال المسرحية والتليفزيونية التى خاطبت الأطفال تحت نفس المسمى.
نعود للقصة الأصلية فنقول إن «ألف ليلة وليلة» مجموعة من القصص التى وردت فى غرب وجنوب آسيا، بالإضافة إلى الحكايات الشعبية التى جُمعت وتُرجمت إلى العربية خلال العصر الذهبى للإسلام، ويُعرف هذا الكتاب أيضاً باسم «الليالى العربية» فى اللغة الإنجليزية منذ أن صدرت نسخته الأولى الإنجليزية عام ١٧٠٦. وقد جُمع العمل الذى يشهد بأن ذكاء المرأة هو أخطر سلاح تملكه على مدى قرون من قبَل مؤلفين ومترجمين وباحثين من غرب ووسط وجنوب آسيا وشمال أفريقيا.
وتتحدث «ألف ليلة وليلة»، كما هو شائع فى جميع النسخ، عن الحاكم شهريار وزوجته شهرزاد، وقد اعتاد هذا الحاكم على قتل زوجاته الواحدة تلو الأخرى بعد ليلة واحدة من الزفاف بعد أن أصيب بعقدة الخوف من الخيانة، فقد كان يقتل الأنثى بعد زفافها مباشرة ويبحث من جديد يومياً عن عروس، وكانت عذارى المدينة يرتجفن هلعاً من اختيار الأمير اليومى، إلى أن أصاب الدور ابنة الوزير الجميلة شهرزاد التى أصرت أن تحارب الملك شهريار بأخطر الأسلحة الأنثوية (بذكائها)، ومن هنا بدأت الليالى التى لم تنته بقتلها، فقد بدأت من أول ليلة لها فى الحديث الذى لم يعتده شهريار، فكانت تقص عليه يومياً قصة لا تنتهى مع شروق الشمس، ولأنها كانت تحدثه بذكاء ودهاء الأنثى فقد استطاعت أن تسيطر على فكره وقلبه، وأحبها وأحب قصصها، وكان كلما فكر فى قتلها كغيرها من الزوجات يجد صعوبة فى الاستغناء عن لياليها وحديثها وعلاقته بها التى أخذت منحى جديداً مختلفاً تماماً عمن سبقنها من زوجات.
ويخلد التاريخ ذكاء شهرزاد فى جميع الثقافات والفنون، فتحتوى بعض نسخ من «ألف ليلة وليلة» على حكايات من الحضارات العربية والفارسية والهندية والمصرية، ومعظم تلك القصص كانت فى الأساس قصصاً شعبية من عهد الخلافة، وبعضها الآخر تم استخلاصه من العمل الفارسى «ألف خرافة» الذى يُكتب بالفارسية «هزار أفان»، والتى اعتمدت جزئياً بدورها على الأدب الهندى. وقد كُتب الجزء الأكبر من الليالى بالنثر على الرغم من استخدام الشعر أحياناً للتعبير عن العاطفة المتزايدة، كما استخدمت أيضاً الأغانى والألغاز.
وهناك بعض القصص الشهيرة من ألف ليلة وليلة مثل «علاء الدين والمصباح السحرى» و«على بابا والأربعون لصاً» و«رحلات السندباد البحرى السبع».
وإذا تركنا تلك الليالى الساحرة وعبرنا الزمن لنصل إلى عالمنا فى القرن الواحد والعشرين فسنجد أن النصيحة الوحيدة التى يجب أن نهمس بها للمرأة هى «احكى يا شهرزاد»، احكى وإياك والصمت الذى قتل العلاقات الزوجية والإنسانية والأسرية. فعلماء النفس يقولون إن الحكى، أو بلغتنا العامية الدردشة والفضفضة، هى أفضل علاج للتخلص من الضغوط النفسية التى تسببها مشاعر الغضب والتوتر، فالفضفضة، خاصة عندما تكون بين الزوجين، يمكن اعتبارها بمثابة عملية تنظيف يومية للقلب والرأس والجسد بأكمله. والطريف أن الأمريكيين استخدموا منذ عهد الرئيس فرنكلين روزفلت تعبيراً جميلاً «دردشة أمام المدفأة»، ويرجع هذا التعبير المجازى إلى سلسلة من الخطب الموجهة للشعب الأمريكى فى الثلاثينات عبر أمواج الإذاعة وكان روزفلت يخاطبهم بطريقة غير رسمية بينما أغلبهم أمام المدفأة لكى يوحى إليهم بالود والحميمية. وبعيداً عن الرئيس الأمريكى فإن شاعرنا العربى نزار قبانى قال عن الدردشة «أنت محظوظ جداً إن كنت تملك شخصاً تحكى له تصرفاتك السيئة دون أن يفكر بأنك شخص سيئ لأنه يعرف جيداً أن الذى بداخلك أنقى وأجمل». وما زالت حتى الآن المطربة سميرة سعيد تشدو وتقول «احكى يا شهرزاد.. احكى لشهريار.. اشغلى له ليله لطلوع النهار.. حيّرى له باله وغيّرى له حاله.. خلى عقله دايماً فى حالة انبهار».