عدد من التدوينات تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعى لنائبة محافظ الإسكندرية المتهمة بالرشوة وإهدار المال العام «سعاد الخولى»، لست أدرى مدى دقتها ونسبتها إليها، وإن صحت فستكون كارثة بكل المعانى، لأن السيدة لا تجيد الكتابة بالعربية، ويحتشد خطابها بالعديد من الأخطاء الساذجة، التى تفرض عليها ضرورة الحصول على الابتدائية من جديد. دعك من غير المؤكد وتعال إلى المؤكد، والمؤكد هو عدد من الفيديوهات التى تم تداولها، وتظهر نائبة المحافظ فيها وهى تعطى مستمعيها دروساً فى الوطنية ومحبة مصر، وتؤكد أن المواطن المثالى هو الذى يردد مع العظيمة «عليا»: «ما نقولش إيه إدتنا مصر.. بنقول هندى إيه لمصر».
هكذا اعتبر البعض «الطنطنة» بالوطنية «لحافاً» يصح أن يلتحفوا به ليواروا سوءاتهم، ونهشهم الممنهج للوطن، فى وقت يرخصّون فيه لأنفسهم توزيع صكوك الوطنية على غيرهم من أهل المحروسة. هذا النوع من الخطاب شاع فى الستينات. كان الحديث عن الوطن والوطنية لا ينقطع، كلمة «وطن» كانت تظهر فى كل خطاب، وتطن فى آذان المصريين، زمن كان شعاره: المجد كل المجد للوطن ولا حرية لأعداء الوطن». العبارة فى حد ذاتها تحمل معنى موضوعياً، فلا يعقل أن يمنح أعداء الوطن الحرية للنيل منه. الوطن معنى جدير بالحماية والدفاع عنه، المشكلة كل المشكلة فى «اللحاف»، الذى تحولت إليه هذه العبارة، فجعلتها أداة للتستر على الكثير من الجوانب السلبية فى الأداء، ووسيلة لقطع ألسنة من يحاولون التنبيه أو لفت النظر إلى هذه السلبيات، انطلاقاً من أن هؤلاء لا يصح الاستماع إليهم، لأنهم أعداء الوطن. وماذا كانت النتيجة؟. كانت النتيجة نكسة مدوية هزت كيان المصريين هزاً، ورجت الوطن الذى يعيشون فيه رجاً، وأدت إلى ضياع جزء غال من أرضه. بعد النكسة تكشفت الحقيقة، وثبت أن بعض من كانوا يلتحفون بالوطنية، ويتهمون غيرهم بالعداوة للوطن، هم الأعداء الحقيقيون له، وهم السبب فيما حاق به من هزيمة وانكسار.
التحقيق سوف يثبت مدى صحة الاتهام الذى وجه إلى سعاد الخولى بتعاطى الرشوة، لكن ثمة جريمة أخطر سقطت فيها المدعوة وأمثالها من المسئولين من أصحاب نظرية «لحاف الوطنية»، وهو اللحاف الذى أراد له البعض الخروج من «سحّارة التاريخ» ليتم توظيفه فى الواقع المعاش. لعلك تذكر مواقف كان يقفز فيها خطاب «التغزل فى الوطن» من جانب بعض الأصوات، وكشفت الأحداث أن مثلهم كمثل سعاد الخولى، لديهم مفهومهم الخاص للوطنية. وهو مفهوم لا يفرق بين الجيب العام والجيب الخاص. مفهوم لا يفرق بين الأداء الذى يخدم الوطن، والأداء الذى يجعل من التمحّك بالوطنية ستاراً وستراً للعورات. ليس المهم فى قضية «سعاد الخولى» ما كشفته من تورط إحدى المسئولات فى الرشوة، فما أكثر المتورطين والمتورطات، ممن يمكن أن يأتى عليه الدور، لكن جهد الرقابة الإدارية ساعد فى تقديم قضية كاشفة لعورات الأداء الذى يقوم على فكرة التغنى بالوطنية غناء لا يجاوز حنجرة صاحبه، فى الوقت الذى يطعن فيه وطنه من الخلف.