الاتحاد الأوروبى فى أزمة حقيقية، فالجاليات المسلمة تحتل أرقاماً لا بأس بها من التعداد السكانى، وأصبحت جزءاً من مكونات المجتمع وعناصره الرئيسية، وبعضها يحتل وظائف إدارية وأكاديمية ومواقع علمية ومراكز سياسية متميزة.
تنظيمات الإرهاب نبتت عناصرها الشابة الجديدة من قلب المجتمع الأوروبى، لم تعد الأمور كما كانت تعتمد على عناصر إرهاب من الشرق الأوسط أو الأقصى، وإنما دخلت عناصر جديدة فى اللعبة من الجيلين الثانى والثالث للمهاجرين الذين أصبحوا أوروبيين بالميلاد وليس بالتجنس.
فى أوروبا تصهر القوانين المواطنين فى بوتقة واحدة، لا توجد تفرقة بين متجنس أو مولود، المسلمون تجاوز عددهم عشرات الملايين، أغلبهم يعيش فى ضائقة الفقر والحاجة والبطالة ويعانى مشاعر تمييزية رغم القوانين المعمول بها، ورغم ذلك من الصعب جداً التعامل معهم جميعاً باعتبارهم إرهابيين.
المسئولون فى أوروبا يرفضون ممارسة أى إجراءات استثنائية ضد الجماعات المتأسلمة ويعتبرونها معارضة سياسية، ويعتبرون أن المزيد من الإدماج لهم فى المجتمع يقلل شعورهم بالتمييز وبالتالى يقلل من فرص انضمامهم لجماعات الإرهاب، طبعاً هذا فضلاً عن إمكانية الاستفادة منهم فى مواجهة التنظيمات الإرهابية وفقاً لنظريات الساسة الأوروبيين.
فى المقابل، تؤدى العمليات الإرهابية إلى تأجيج مشاعر الكراهية ضد المسلمين، ومن الصعب تجاهل تداعيات انتشار هذه المشاعر الغاضبة بين الرأى العام الأوروبى ضد المسلمين بشكل عام وضد الجاليات الإسلامية المنتشرة فى البلدان الأوروبية بشكل خاص، فضلاً عن توقعات بتصاعد المطالبة بالمزيد من الإجراءات والتدابير الأمنية ضدهم.
أزمة أوروبا تراوح فى التردد بين استفادة مؤسساتها الأمنية من التعامل مع ما تعتبره إسلاماً سياسياً معارضاً لدرء مخاطره وتحقيق استفادة سياسية منه فى مناطق التوتر والحروب بالشرق الأوسط، وبين مواجهة توسيع الجماعات الإرهابية لنطاق عملياتها إلى قلب أوروبا لتحقيق استفادة تنظيمية وشعبية بين دوائر المسلمين الأوروبيين، وتخشى أوروبا من اتساع النزاعات والمواجهات المسلحة وأن تتطور مستقبلاً لحروب بين المسلمين والأوروبيين داخل المجتمعات الأوروبية نفسها.
أوروبا تعيش أزمة عميقة ونظريات حقوق الإنسان التى تبنتها ثبُت عدم جدواها وصحتها مع تنظيمات تتبنى نظرية إلقاء السلم فى البحر بعد الصعود للحكم، كما ثبُت عدم جدوى فكرة إدماج هذه التنظيمات فى المجتمع والحياة السياسية كونها ترتكز أساساً على أفكار العنف والفوضى وكراهية الآخر.
كيف ستتعامل أوروبا مع الخيارات المطروحة؟؟ هل ستعيد النظر فى سياسة الإدماج؟؟ هل ستعمق من التدابير الاستثنائية دون التربص بالجاليات المسلمة بشكل عام؟؟ هل ستتصاعد مشاعر الكراهية والصراع الدينى بين المسلمين وغير المسلمين؟؟ هل ستعيد أوروبا النظر فى سياستها تجاه الشرق الأوسط ومواقفها من معسكر المتأسلمين.
السؤال الأبرز: هل ستستمر دول أوروبية رئيسية فى تبنى ما تسميه التفرقة بين «تنظيمات إسلامية سياسية» وبين «تنظيمات إسلامية إرهابية» وتواصل الإصرار على احتواء جماعة الإخوان الإرهابية وقادتها بديلاً عن رموز عنف السبعينات والثمانينات؟؟ وهل ستواصل أوروبا سياسة المكابرة والإصرار على إلصاق صفة الإسلامية الباطلة بجماعات التكفير والإرهاب؟؟
طابور طويل من الأسئلة يفرض نفسه على أوروبا فى أزمتها الجديدة، بعد أن تحول الإرهاب إلى صدر أوروبا مباشرة وانتشر لعدة عمليات مؤثرة فى عدة دول فى توقيت واحد، وبعد أن تأكد حدوث تطور نوعى مؤثر فى عمليات الإرهاب بأوروبا.
أوروبا تعيش بوادر حرب مع الإرهاب، فهل ستعيد التفكير وتراجع صحة وجدوى نظريات الإدماج؟