صور ومشاهد عديدة تتسكع على صفحات التواصل الاجتماعى. أحدهم يضع صورته وهو يرتدى ملابس الإحرام فى طريقه إلى الأراضى المقدسة، وآخر يضع صورة له وهو محرم ومن خلفه الكعبة (سيلفى)، وثالث وهو يرتدى الجلبات فى ساحة المسجد الحرام، ورابع وهو يقف على عرفات، حتى المشاهير الذين يصفهم البعض بـ«الدعاة» لم يبرأوا من هذا الفعل. ها هو واحد منهم، التليفزيونى عمرو خالد، يضع فيديو على صفحته يدعو فيه لكل «الفريندز» المسجلين عليها. وهو فيديو تناقلته الكثير من المواقع الإعلامية، وبقدر ما أثار من سخرية لدى البعض، بقدر ما أثار من رثاء، أو تأثر لدى آخرين!. نقطتان أود التوقف أمامهما على هامش هذه السلوكيات العجيبة التى يأتيها ويطرب لها البعض، النقطة الأولى تتعلق بمسألة «تعظيم الشعيرة»، والثانية خاصة بـ«حدوتة الدعاء» لدى المصريين.
يقول الله تعالى فى كتابه الكريم: «ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب». ظهرت هذه الآية الكريمة فى سياق توجيه حجاج البيت الحرام إلى الخشوع الكامل عند أداء شعائر الحج، وقد جعل الله «لباس الإحرام» الذى يشبه أكفان الموتى إيذاناً بالدخول فى حالة زهد كامل فى الدنيا، والتوجه بشكل كامل إلى المولى عز وجل، وجعل عبارات التلبية أولى الكلمات التى يجهر بها الحاج عند وطء الأرض المقدسة. عبارة «لبيك اللهم لبيك» تحمل معنى التوجه الكامل إلى الله ونسيان الدنيا، بما فيها ومَن فيها. وليس من الخشوع فى شىء أن يمسك أحدهما أو كلاهما بموبايل ليسجل لقطة أو فيديو يثبت به توجهه إلى الله بالحج، ولست أدرى يريد أن يثبت ذلك أمام مَن؟. أمام «الفريندز بتوعه»، أم أمام المولى عز وجل؟. بصراحة المسألة تشفّ عن نمط عجيب من الإسلام وأداء شعائر الإسلام بصورة أقرب إلى التجارة والوجاهة والمنظرة أكثر من أى شىء آخر.
النقطة الثانية تتعلق بالدعاء، لا خلاف على قيمة الدعاء، ومكانته وموقعيته كجزء من شعائر الحج. فالدعاء له قيمة خاصة حين تخشع القلوب فوق الأراضى المقدسة التى سار فوق ترابها نبى الرحمة صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، والدعاء سر بين العبد وربه، وجوهره الإحساس الخاص الذى يعيشه الإنسان حين يوقن أن لا ملجأ من الله إلا إليه، وأن الله تعالى هو المستعان على تحديات الدنيا، والقادر على الرحمة والمغفرة فى الآخرة. فى كل وقت وحين، وأياً كان موقع الإنسان على الأرض، فى كوخ أو أمام البيت الحرام يصح أن يتوجه إلى الله بالدعاء: «وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداعى إذا دعانِ». الدعاء بهذا المفهوم شىء و«حفلات الدعاء» شىء آخر. الدعاة المعاصرون علّموا المصريين الانخراط فى حفلات دعاء جماعى، أشبه بحفلات الزار، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعى مرتعاً للرسائل التى تقول لك قل كذا وكذا، عدد كذا من المرات، يحدث لك «مش عارف إيه» و«شيّر فى الخير»، وغير ذلك من كلام وممارسات إن دلت على شىء فإنها تدل على استخفاف بالقيمة السامية للدعاء، وتحويله إلى تجارة، يعلم الدعاة المعاصرون أرباحها جيداً، ويجيدون جمعها.. وكله على «قفا المواطن»!.