اليوم آخر أيام عيد الأضحى المبارك، أعاده الله على المصريين جميعاً بالخير والسعادة. وبانقضاء أيامه المباركة يبدأ مَن حصلوا على خروف العيد بالتقسيط فى دفع الأقساط المستحقة. أقول ذلك بمناسبة تلك المبادرة التى طرحها عدد من الجزارين لبيع الخروف بالتقسيط للأسر التى لا تملك سعره كاملاً حتى تستطيع أداء شعيرة «التضحية». ومن قبل كانت وزارة التموين تطرح هى الأخرى مبادرات من هذا النوع فتقدم «خرفان» بالتقسيط المريح. والتسديد كما صرح بعض الجزارين ممن تبنوا المبادرة يبدأ عقب انتهاء العيد الحالى ليستمر لمدة عام حتى أيام قليلة من «الأضحى» القادم بإذن الله.
موقف الجزارين أصحاب المبادرة مفهوم، فهم يعانون من حالة ركود فى البضاعة، بعد ضعف القدرة الشرائية للمستهلك، وعجز مَن اعتادوا على الذبح خلال السنوات الماضية عن توفير الثمن الكامل للخروف، بسبب ارتفاع أسعار «الأضحيات» بشكل كبير. غير المفهوم حقاً هو موقف مَن يرهقون أنفسهم بشراء خروف بالتقسيط. العقل يقول إن مَن لا يملك ثمن الأضحية عليه ألا يرهق نفسه بالتقسيط، لأن الله تعالى يقول: «لا يكلّف الله نفساً إلا وُسعَها»، أمثال هؤلاء مستحقون للحصول على لحم الأضحية ممن يمتلك القدرة على الذبح، على الأقل على سبيل الهدية. وليس عيباً أن يعيش الإنسان ظروفه، العيب أن يرهق نفسه بأمر عافاه الله تعالى منه. التضحية فى العيد سُنة وليست فرضاً، وواجب على الموسرين من المسلمين، ممن يملكون ثمن شراء ما يضحّون به، أما مَن لا يجد فعليه أن يحمد الله تعالى ويشكره على ما يجد.
المصريون من مواليد الستينات عاصروا مشاهد عديدة تعبّر عن عدم قدرة الكثير من الأسر فيها -خلال عيد الأضحى- على شراء أضحيات، أو حتى لحوم، فكانوا يعيشون أيام العيد على «سقط خروف»، والسقط لمن لا يعرفه يشمل رأس الخروف، ورِجليه، وحواشيه. يحيون اليوم الأول من العيد على فتة مطبوخة على «راس الخروف»، وباقى الأيام على ما تبقى من السقط، ثم يحمدون الله تعالى على ذلك. ولو كان موضوع «الخروف المتقسط» طرح وقتها لصار نكتة، يصح أن يستلقى مَن يسمعها على قفاه من فرط الضحك، ولكن ما أكثر نكت الأمس التى أصبحت تتسكع فى حياتنا المعاصرة كحقائق هذه الأيام، فاندفع البعض إلى التطلع إلى أشياء تفوق طاقتهم، رغم أن المثل المصرى الفصيح يقول: «شيل على أدّك».
الأمر لا يتعلق فقط بحدوتة «الخروف المقسط»، بل بأمور متعددة اخترعها المصريون فيما يتعلق بالتعامل مع عيد الأضحى، من بينها على سبيل المثال الحج بالتقسيط، رغم أن الله فرض الحج على القادر المستطيع، سواء كان المقصود القدرة المالية أو القدرة الصحية، ويزداد الطين بلّة، حين تجد هذا الأمر منصرفاً إلى العمرة التى لا يتردد البعض عن القيام بها بالتقسيط، رغم أنه سبق أن أداها، أضف إلى ذلك حكاية «صكوك الأضحية» التى يمكن القول بأنها «أممت لحمة الأضحية»، وجعلتها «صكاً من ورق»، وحوّلتها إلى أموال غزيرة يتم جمعها من كل اتجاه، وتتنافس فيها مؤسسات دينية رسمية وجمعيات خيرية. ولا يدرى أحد شيئاً عن مسارات إنفاقها.. وكل عام وأنتم بخير!.