فى نهاية دور انعقاده الثانى، قال رئيس مجلس النواب إن المجلس أقر فى دور الانعقاد الثانى 217 مشروع قانون، تشمل 2338 مادة، لافتاً إلى أنه أكبر عدد تشريعات صدر على مدار تاريخ المجلس منذ نشأته. كما تباهى بعض الوزراء بالتشريعات التى قامت وزاراتهم بإعدادها، مؤكدين أنها ستكون طوق النجاة من المشكلات التى يعانى منها المجتمع.
ولا يخفى على أحد العدد الهائل للقوانين التى صدرت مؤخراً، والتى تتناول بالتنظيم أو إعادة التنظيم مجالات حيوية مهمة. وقد استحوذ النشاط الاقتصادى على الجزء الأكبر من اهتمام الحكومة، الأمر الذى يبدو جلياً فى عدد التشريعات ذات الصلة بالمنظومة الاقتصادية. وللتدليل على ذلك، يكفى أن نشير إلى إقرار قوانين جديدة للاستثمار، وتيسير إجراءات منح تراخيص المنشآت الصناعية، وضريبة القيمة المضافة، فضلاً عن إجراء تعديلات على قانون ضريبة الدخل، والموافقة مبدئياً على قانون للإفلاس. كذلك، صدرت اللائحة التنفيذية لقانون تيسير إجراءات منح التراخيص الصناعية، والتى قيل إنها قلصت زمن إصدار التراخيص الصناعية إلى أقل من سبعة أيام للصناعات المأمونة بدلاً من 600 يوم فى السابق، وإلى أقل من 30 يوماً للترخيص المتعلق بالأنشطة عالية المخاطر على الأمن والصحة والبيئة. كذلك، قيل إن هذه التشريعات من شأنها التأثير بشكل إيجابى على تصنيف مصر العالمى فى تقارير أداء الأعمال الصادرة من المؤسسات الدولية.
ولا يمارى أحد فى أن أحكام التشريعات هى انعكاس لاستراتيجية الحكومة وترجمة لاتجاهاتها. ويمكن القول بأن إتقان صناعة التشريع، وإحكام نصوصه، وحسن تنظيم الموضوعات التى يتناولها، تعد الخطوة الأولى فى مسيرة الإصلاح الاقتصادى والمجتمعى. ولكن، صدور القانون وحده لا يكفى لتحقيق الغرض المنشود. فكم من التشريعات التى صدرت دون أن تجد مجالها إلى التطبيق العملى على أرض الواقع، لأسباب عدة، لعل أبرزها الروتين والبيروقراطية الحكومية وغياب التفاعل المجتمعى معها أو غياب الإرادة الصارمة والحرص على تفعيلها وإنزال أحكامها على سائر المخاطبين بها أو تفشى الفساد الوظيفى. والأمثلة على ذلك عديدة، نذكر منها قانون المرور وتشريعات البناء على الأرض الزراعية والقوانين التى تجرم التعدى على أراضى الدولة. وقد اضطرت الدولة فى العديد من الحالات إلى الرضوخ لمنطق المخالفين لأحكام القانون وقبول التصالح معهم أو تقنين أوضاعهم. وقد دعا ذلك البعض إلى أن يتحدث عما سماه «هزيمة القانون» أمام الواقع.
من ناحية أخرى، تعانى النظم القانونية المختلفة فى العالم المعاصر مما اصطلح على تسميته «التضخم التشريعى»، وذلك بسبب تعدد التشريعات التى تصدر لتنظيم مختلف أوجه النشاط فى المجتمع. بل إن البعض يرى أن هذه الظاهرة قد بلغت حد «الانفجار التشريعى». وقد ترتب على «التضخم التشريعى» أن كثيراً من التشريعات قد دخلت فى دائرة النسيان وعدم التطبيق على أرض الواقع. إذ يترتب على هذه الحالة قيام الصعوبة لدى رجال القانون فى ملاحقة النصوص القانونية، والتعرف على أحكامها، والوقوف على ما هو نافذ وغير نافذ منها. ويرى البعض أن هذه الظاهرة أدت إلى إخفاق النظام القانونى المصرى الراهن فى تنظيم وضبط أوضاع المجتمع، وفى تحقيق فاعلية الممارسات الحكومية والأداء الحكومى.
وإزاء ما سبق، يغدو من الضرورى إنشاء مرصد للتشريعات، بحيث يتولى رصد وقياس أثر القوانين على أرض الواقع، وما إذا كان التشريع المعنى قد حقق أهدافه والأغراض المنشودة منه أم لا. ويشكل إنشاء هذا المرصد -حال حدوثه- تطبيقاً للأفكار الحديثة فى إدارة الأداء، التى تقوم على مقولة شهيرة عند المشتغلين بالتخطيط، وهى: «ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته». ولا شك أننا نحتاج إلى تطبيق مثل هذه الأفكار فى قياس الأداء الحكومى والوقوف على حسن أداء كل جهة حكومية للمهام المنوطة بها.
وحتى يحقق المرصد المقترح الهدف منه، ولضمان فاعليته، نرى من الملائم أن تتقرر تبعيته لمجلس النواب باعتبار أن ذلك يشكل جزءاً من دوره الرقابى على أداء الحكومة، وبحيث لا ينتهى دور البرلمان بمجرد إقرار التشريعات، وإنما يمتد إلى التحقق من الأثر المترتب عليها. ويمكن أن تتقرر تبعية المرصد لمجلس الوزراء، بحيث يشكل أداة رقابة داخلية للأداء الحكومى.
والله من وراء القصد.