(١) لم يكن الرئيس الراحل محمد أنور السادات يحتاج لأكثر من واجهة دينية قريبة للقلوب تنتهج لغة سلسة مبسطة ليواجه المد اليسارى الذى ورثه من سلفه عبدالناصر، فوجد ضالته بشدة فى شخص وأسلوب الشيخ الشعراوى رحمه الله.
كان الشعراوى أفضل سلاح يمكنه مواجهة زحف اليسار الجارف، وقد نجح فى مهمته بدرجة كبيرة بلا شك، حتى إنه تمكّن من استحضار شكل جديد للداعية الإسلامى الأزهرى المعمَّم جعله يقترب من قلوب الناس كثيراً، بعد أعوام من عزلة الدين عن المجتمع فى عهد الاشتراكية الناصرية، وبعد سلبيات كثيرة نتجت عن صراع النظام الناصرى وجماعة الإخوان!!
لقد أدى الشيخ الشعراوى دوره بنجاح ربما لم يصل إليه أحد من بعده.. حتى الآن.
(٢) لم يكن مبارك فى مثل ذكاء السادات، ولكنه اجتهد كثيراً ليقلده!! لقد حاول فى بداياته أن يواجه المد الجهادى التكفيرى بشيوخ السلفية الوهابية، ولا أنكر أنه نجح إلى حد ما قبل أن ينقلب عليه السلفيون أنفسهم، فما كان من جمال مبارك إلا أن استحضر شكلاً جديداً للداعية الإسلامى، شكلاً يرتدى زياً معاصراً حديثاً ويحمل فى طيات حديثه مضموناً يرسخ للرأسمالية ويبرر ثروات الأغنياء!
لقد كانت البداية لدعاة الفضائيات الذين تزعّمهم «عمرو خالد» باقتدار!
(٣) أعترف أننى لم أحب أسلوبه من البداية، ذلك التصنُّع الواضح فى الخشوع أمام الكاميرات، والدهشة المبالغ فيها عند الحديث عن السيرة أكثر بكثير مما يحتمله الموقف نفسه، ولكن الإفصاح عن ذلك لم يكن سهلاً أبداً فى ظل شعبيته الجارفة وقتها، كما أننى لا يمكننى إنكار دوره فى عودة كثير من الشباب للقراءة فى الدين وفى السيرة النبوية!
لقد نجح عمرو خالد، بشكله المختلف وأسلوبه غير المألوف فى البداية، ولكن يبدو أن دوام الحال أمر ينافى طبائع الكون نفسه!
لا أدرى هل فتنه الإعلام أم فتن هو الإعلام نفسه، لكن أقاويل كثيرة قد تناثرت -لم يصدقها مريدوه أبداً- عن مغالاته فى أجره بعد أن أصبح نجماً يجذب الإعلانات.. ثم كان منعه بأوامر صانعيه من رجال الأعمال والسلطة، وإبعاده خارج مصر بأوامر غير مكتوبة كالعادة سبباً لازدياد شعبيته بشدة!!
لقد تحول عمرو خالد إلى ظاهرة بغباء نظام مبارك وحده.. ودون أدنى جهد منه!!
(٤) بين كل سلبيات مواقع التواصل الاجتماعى التى يتفنن علماء الاجتماع فى سردها، يُحسب لها أنها كانت سبباً مباشراً لزيادة الوعى بين الناس وانكشاف الكثير من تلك الأساليب التى كان ينتهجها البعض لاكتساب شعبية غير مستحقة!!
الحملة التى يشنها الناس على عمرو خالد الآن ليست وليدة اللحظة، وليست بسبب ذلك الفيديو شديد التصنُّع والابتذال الذى ظهر فيه وهو يدعو لمتابعى صفحته على موقع التواصل الاجتماعى. الفيديو نفسه لا يختلف كثيراً عما كان يفعله سابقاً من الدعاء لحاضرى برنامجه أو لمتابعى فيديوهاته من الشباب، بل لا يختلف حتى عن أمثاله من دعاة الفضائيات الذين يدعون لفصيل يؤمن بهم دون غيرهم طلباً للاستزادة من المتابعين.. الأمر فقط قد اختلف باختلاف الظرف المكانى والوسيلة الإعلامية التى يستخدمها!!
إنه رفض لأسلوبه الذى كشفه الناس مؤخراً، واستنكار لزيف وتصنُّع تميز به منذ لحظاته الأولى على شاشات الفضائيات ولكن لم يلاحظه أحد إلا بعد أن ازداد الوعى لدى العامة وتمكنوا من كشف تلك الأساليب التى يتبعها البعض ليتمكنوا فقط من الحصول على شروط أفضل عند التفاوض على برنامج تليفزيونى جديد!!
(٥) وسط كل ذلك الجدل الدائر حول عمرو خالد أو غيره، يظل الأزهر يلعب دور المسئول الذى لا يعرف شيئاً عما يدور فى دائرته.
يظل غياب -أو تغييب- المؤسسة الرسمية الوحيدة المسئولة عن الدعوة أمراً يثير التساؤلات أكثر من إثارته للاستنكار، ويظل البحث عن بدائل أقل كفاءة، دون شك، هو الأمر الذى نتحمل وزره جميعاً!
لا أعتقد أن الأمر يحتمل أن يظل الأزهر بعيداً عن المشهد أكثر من ذلك، ففى ظل كل ذلك التطرف الذى يخرج من عباءات الدين، وفى ظل الجهل المسيطر على كثير ممن يحملون لواء الدعوة دون أدنى استحقاق، يصبح لزاماً على ذلك الكيان أن يضطلع بدوره الأساسى فى السيطرة على المشهد الملتبس، ويصبح تصدُّره للصورة أمراً واجباً عليه وعلى النظام نفسه، ليواجه به كل هذا الخلط الذى نعانى منه جميعاً فى أهم نواحى حياتنا المجتمعية!!
فليتحدث الأزهر الآن.. أو نصبح جميعاً من متابعى عمرو خالد.. لننال دعواته من داخل الحرم!!