روِّع المسلمون فى دول العالم المختلفة بالمذابح التى تُرتكب بحق مسلمى «الروهينجا» بميانمار (بورما سابقاً).
أطفال ونساء وشيوخ يُقتلون وسط حالة صمت إسلامى، باستثناء بعض الأصوات -الإسلامية وغير الإسلامية- التى يمكن أن تُسمع هنا وهناك تشجب ما يحدث. حالة الرخاوة التى تعامل بها المسلمون (شعوباً وأنظمةً) أوقعت البعض فى حيرة وجعلتهم يتساءلون لماذا الصمت؟ ولماذا لا يحرك المسلمون ألسنتهم الساكنة، على الأقل كما تعودوا فى مواقف سابقة؟. الإجابة بسيطة إنهم مشغولون بقتل بعضهم البعض. قتلُ المسلم للمسلم قدَر هذه الأمة منذ رحيل النبى صلى الله عليه وسلم، ومن الجمل الآسِرة التى تستحق التوقّف أمامها، تلك الجملة التى ردّدها النبى فى خطبته الأخيرة فوق جبل عرفات: «إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا».
نتمنى بالطبع أن يلتفت العالم كله إلى قضية مسلمى «الروهينجا»، كقضية إنسانية بالأساس، لكن التعويل على المسلمين يبدو غير منطقى، لأن قَدَرهم أن يَقتل بعضُهم بعضاً. لست أدرى هل يتحركون فى ذلك مدفوعين بقدر يترجم جانباً من مأساتهم، أم بإرادة تاريخية، أم بتركيبة مزاجية؟. المهم فى كل الأحوال أن مسألة قتْل المسلمين لبعضهم البعض هى حالة تجلّل تاريخهم، كما تسيطر على واقعهم. عدد مسلمى «الروهينجا» لا يزيد عن 800 ألف نسمة، ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد مَن مات منهم فى المذابح، لكن ثمة إحصاءات دقيقة تقول إن عدد مَن قُتلوا جراء الحرب الأهلية التى نشبت فى سوريا عام 2011، ولا تزال متواصلة حتى الآن، يقترب من النصف مليون بنى آدم، وعدد مَن أصيبوا يزيد على المليون، وعدد مَن شُردوا بالملايين. وهناك آلاف القتلى والجرحى جراء العمليات العسكرية التى يقوم به التحالف العربى فى اليمن منذ عام 2015. فى الحرب العراقية - الإيرانية (1980 - 1988) وحدها مات أكثر من مليون من الطرفين، وهو عدد يقترب من كل شعب «الروهينجا».
عبر مراحل التاريخ المختلفة كان عدد المسلمين الذين يُقتلون بأيدى مسلمين أكبر بكثير من عدد المسلمين الذين قُتلوا على يد غيرهم. آلاف المسلمين قُتلوا فى معركة «صفين» التى نشبت بين على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان، رضى الله عنهما، ولولا تلك الواقعة التى استشهد فيها الإمام «علىّ» على يد عبدالرحمن بن ملجم الخارجى، لتعرّض المسلمون لخطر الإبادة على يد بعضهم البعض، فقد كان «علىّ» مصمماً على مواصلة القتال، بعد معركة النهروان التى خاضها جيش «علىّ» ضد الخوارج، واستأصل فيها شأفتهم. الفكرة المثالية التى تقول بحماية المسلمين لبعضهم البعض لا وجود لها، إلا فى حالات نادرة للغاية، لذلك فهم لا يأخذون فى يد أى عدو لهم «غلوة»، فيكفى جداً أن يغرس بينهم العداوة والبغضاء ليفتك بعضهم ببعض، ويستريح هو. زمان كان ينظر الروم إلى الصراع الناشب على الحكم بين صحابة النبى، ويضحكون على أمّة بأسُ أهلِها بينهم شديد. واليوم تفعل الولايات المتحدة الأمريكية الأمر نفسه، لذلك علينا أن نتحدث عن المذابح التى يتعرّض لها مسلمو «الروهينجا» كقضية إنسانية تستحق من العالم الحر وقفة لحماية أرواح بريئة مسالمة، تقتل وتحرق على الهوية!