فى المباراة الأولى فازت علينا أوغندا على أرضها وبين جمهورها بواحد مقابل لا شىء. بعدها بما يقرب من أسبوع ردت مصر الواحد لأوغندا فى المباراة الثانية التى شهدها استاد برج العرب الثلاثاء الماضى، ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم المقبلة. المباراة كانت حبلى بالعديد من المؤشرات التى تحكى حالنا بطريقة أو بأخرى، بدءاً من انتظار المخلّص، ومروراً بتهميش الصف الثانى، وانتهاءً بعشوائية الأداء.
فى المباراة الأولى بأوغندا ألقيت مسئولية الهزيمة على اللاعب الموهوب محمد صلاح، لأنه ببساطة القادر على فك شفرة الخصوم وإحراز الأهداف بما يمتلك من مهارة. وفى المباراة التى أقيمت بالإسكندرية كان «صلاح» هو المخلص، حين تمكن من إحراز الهدف الوحيد الذى حصدت به مصر نقاط المباراة الثلاث. مشكلتنا أننا نعتمد على قدرة الفرد، ونتكل على مواهبه أكثر مما نعتمد على الجماعة، لا يوجد منطق وراء لوم «صلاح» على الهزيمة فى أوغندا، ولا منطق يبرر الابتهاج بأن يكون صاحب الهدف الذى فزنا به فى مصر. العقل يقول إن الجماعة لا بد أن تعمل كلها دون أن تتكل على فرد واحد، فالفرد قد يكل وقد يمل، ومهما كانت قدراته ومواهبه، فعلى الجماعة ألا تحمله فوق ما يطيق، وإلا لماذا نطلق على المنتخب: «منتخب مصر»، يكفى أن نقول «منتخب صلاح». النجم الموهوب يفعل كل ما يستطيع هكذا يشهد أداؤه، لكننا لا نضمن أن يحل لنا اللغز فى كل مباراة. سمة انتظار المخلص، أو عودة الابن الضال القادر على إصلاح المعوج جزء من فلسفة إدارة الحياة لدينا لا بد أن نعيد النظر فيه.
تهميش الصف الثانى ظهر واضحاً فى إصرار المدير الفنى للفريق على إشراك عصام الحضرى. يُجمع النقاد والمتابعون على أن «الحضرى» واحد من أفضل حراس المرمى فى تاريخ مصر، وأظن أنهم منصفون فى هذا الحكم. ومؤكد أن «الحضرى» قادر على العطاء حتى اليوم، لكن يكذب من يقول إن بإمكانه أن يؤدى، كما كان يفعل فى أيامه الخوالى. أين الصف الثانى من حراس المنتخب.. ومتى يأتى عليهم الدور ليقوموا بالمهمة؟. تقديرى أن «الحضرى» راكَم خبرة كبيرة نتيجة إتاحة الفرصة له فى بداياته المبكرة، ومن حق من يبدأون الآن أن يأخذوا فرصتهم هم الآخرون. تهميش الصف الثانى وعدم منحه الفرصة يؤدى إلى حالة ضمور، ليس فى مجال الرياضة وحدها، بل فى كل مواقع الحياة. فاحتكار المواقع هو المقدمة الأساسية التى تؤدى فيما بعد إلى ركاكة الأداء سواء على مستوى الفرد أو المجموع.
العشوائية سمة ثالثة تجلت فى أداء اللاعبين، العشوائية تعنى غياب النظام، والافتقار إلى التخطيط، والأداء بمعزل عن أى أهداف، واللعب لحساب النفس. مباراة مصر وأوغندا تشهد على هذا النوع من الأداء، حيث حكمها الاجتهاد الفردى، طبقاً لقدرات اللاعبين، فبرز منهم من برز، وتوارى منهم من توارى، إلى حد السؤال: هل كان يلعب المباراة من الأصل؟
ألقى محبو اللعبة باللوم على مدرب الفريق واعتبروه العامل المفسر لعشوائية الأداء، متناسين أن الأداء المخطط ثقافة ترتكن إلى فكر مؤسسى يفتقر إليه مجتمعنا، إنها «ثقافة التشميع»، بمعنى البحث عن شماعة.. ظروفنا كده!