كنت دوماً أتساءل بسذاجة، عن سر سفر كل هؤلاء الدعاة للحج لمرة واحدة، وللعمرة لمرات عدة كل عام دون انقطاع، وكنت أظنها إفراطاً فى التقوى، أو إفاضة فى طاعة الخالق، أو حباً وشغفاً فى إطالة القرب إلى الله، أو حمل الناس حباً إلى دين الله، كم كنت ساذجاً مخدوعاً كملايين (الفولورز) أو المتابعين!! مصدقاً لدموع بلا ألم، وابتسامة بلا إحساس، وعبادة بلا تقوى، وبيع بلا شراء، وحب مدفوع الأجر والقيمة والثواب، إلا أننى اكتشفت هذا الخداع، حين استرجعت أحداث سقوط الدب الروسى، واستدعاء المخابرات الأمريكية لهذه الوجوه، للترويج للجهاد الأفغانى فى الربع الأخير من القرن الماضى، وذلك لاستقطاب واستدراج الشباب المسلم لمحرقة هذا الجهاد المزيف، تحت دعاوى محاربة بلاد الكفر والإلحاد، والدعوة لجهاد الطلب لإعلاء كلمة الله، ورفع راية الحق، وإذلال راية الباطل، والذى بسببه خسرت الدول الإسلامية والعربية شبابها وثرواتها لأعوام مقبلة، وتخلفت وتأخرت وتقهقرت وأفنت حياتها وأموالها ورجالها فى صراع طائفى، وضع بذرته هؤلاء الدعاة المروجون للجهاد والقتال والسلب والنهب باسم الدين، وأديان الله جميعها براء مما يفعله الظالمون منهم، وكان الرابح الوحيد هو أمريكا دون غيرها، هؤلاء المشايخ على شكلهم وهيئتهم الجديدة (نيو لوك) يستدعون للمشهد منذ عدة أعوام مضت، ليس لترويج بضاعة الجهاد، فهى مكدسة فى مخازننا العربية والإسلامية، ومصانعنا تنتج بلا جهد أو مواد خام، والسوق تعج بالمشترين يستقبلون ما أنتجته مزارعنا ومصانعنا صباح مساء فى طوابير بطول مجتمعاتنا العربية، بلا ترويج أو إعلان، لكن هذه المرة تم استدعاؤهم للترويج للسياحة الدينية، يدغدغون مشاعر البسطاء والفقراء، فيربطون على بطونهم طمعاً فى رفقتهم، وتنفق خزائن الدول الفقيرة، المليارات على الحج والعمرة والتحويلات والبعثات حرجاً وخوفاً، وتترك شعبها فقيراً مريضاً يتسول الأضحية التى دفعها فقراؤه لأغنياء بلاد الحرمين، وهذا لا يرضى الله ورسوله، أن تؤتى رخصه ونسكه على حساب ربط البطون، وتخريب العقول وتفشى المرض، هؤلاء المشايخ والدعاة مديرو تسويق بامتياز ليس أكثر وليس أقل، يؤدون عملهم بمهارة فائقة، يتباكون بلا دموع، ويبتسمون بلا إحساس أو شعور، ويتألمون بلا وجع، ويلومون خلق الله فيما هم ملامون فيه، ويدعون الناس إلى الصبر على مشاق الحياة، وبطونهم متخمة، وجيوبهم عامرة، وخزائنهم طافحة بالعملات الحرة الرابحة، وبيوتهم زاخرة بجمال النساء مثنى وثلاث ورباع، ويحرضون ويشجعون الناس على الإنفاق فى السر والعلن، ولم نسمع يوماً عن فضيلة لأحدهم، أو إنفاق فى سبيل العلم، أو إعانة للشفاء فى مرض، أو تبرع لمستشفى يعالج الفقراء، اللهم زيف بكائهم ودعائهم الذى لا يستجاب له. هؤلاء الدعاة يعودون من الحج كيوم ولدتهم أمهاتهم، فارغة أيامنهم من الذنوب والخطايا، مملوءة شمائلهم بأموال الفقراء والبسطاء، ويعاودون السفر كل عام، حتى ذابت أجسادهم من كثرة الغسل، وبهت لون لحومهم من كثرة نظافتها وتطييبها. فمنهم من يسافر دليلاً لشركات السياحة الدينية، قائماً عليها، ودليلاً وواعظاً ومرشداً وخطيباً وإماماً لها، يسلكون مسلكه فى مناسكه، ويستمعون إلى خطبه الرنانة المكررة على مسامعهم من أعوام، وعلى قدر اسم هذا الداعية، وسمعته وشهرته، تكون قيمة وتكلفة الحج، ومنهم من يدعى رسمياً، ترويجاً للسياحة الدينية فيستفيد من وجوده مع الحجيج أو المعتمرين، وتحفيزاً للغير فى السنوات المقبلة. وأتساءل ويتساءل غيرى، وهو نفس السؤال أطرحه على السيد وزير المالية، هل يدفع هؤلاء الدعاة ضرائب عن هذه الأرباح، وعن ما كسبته أيديهم من رزق وفير؟ وإذا قال قائل، إن هذه الأرباح قد تحصلوا عليها عن عمل خارج البلاد، ولا تستحق ضريبة عليه، أقول لا وألف لا، هو عن نشاط شركات تعمل فى مجال السياحة الدينية داخل مصر، وتمارس نشاطها فى مصر وخارجها، والتعاقد مع هؤلاء على قيادة الحجيج هو تكلفة من تكاليف هذه الشركات، ودخل لهؤلاء الدعاة، سواء تقاضاها الدعاة فى مصر أو خارجها، وهذا هو المراد، والمطلوب أن تتقدم هذه الشركات فى إقرارها الضريبى ببيان ما حصل عليه هؤلاء الدعاة من أجور أو حوافز أو مكافآت أو مزايا عينية، على أن يتقدم هؤلاء الدعاة بإقرارهم الضريبى إلى مصلحة الضرائب، ومقارنة ما جاء فيها بما جاء فى بيان هذه الشركات، فهذا النشاط ليس ببعيد عن عمل الفنانين والممثلين، فلا يهمنا مكان التصوير، الأهم مكان التعاقد، فلا يمكن أن تحصل مصلحة الضرائب مستحقات الدولة من الموظف الذى يتقاضى راتباً يكاد يكفيه بالكاد، وتترك هؤلاء الدعاة ينعمون ويتمرغون فى الملايين، دون سداد الضريبة الواجبة عليهم وتحصيلها، إضافة إلى ما يتقاضونه من القنوات الفضائية.. ليس ثمة علاقة بين هذا الموضوع وبين دعاء عمرو خالد لمتابعيه على صفحته على الفيس بوك، اللهم إلا هذا التشابه بين الاستياء الشديد من الأداء المفرط فى الكذب والخداع، كما الاستياء المفرط من تهربهم من سداد الضريبة الواجبة عليهم.