أذكر بعد ثورة 25 يناير أيام صعود الإسلاميين أن كلاماً أُثير حول خفض المعونة الأمريكية لمصر، وقتها خرج الشيخ محمد حسان متبنياً مبادرة لجمع أموال المعونة من المصريين، تمهيداً للاستغناء بصورة كاملة عن الأمريكان. وقتها قال الشيخ: «الكل سيدفع حتى بائعة الفجل فى الشارع لن تتأخر عن المساهمة فى الدفع حماية لمصر من الركوع أمام الأمريكان». كلام حنجورى من هذا القبيل رددته بعض الأصوات، بعد القرار الذى اتخذه الكونجرس الأمريكى بخفض المساعدات لمصر بمقدار 37 مليون دولار، وهو القرار الذى سبقته عدة إجراءات أخرى تصب فى هذا الاتجاه، من بينها وقف معونة لمصر مقدارها 95.7 مليون دولار، إضافة إلى تأجيل 195 مليون دولار أخرى.
بداية لا بد أن نقرأ هذه القرارات فى سياقها. المعونة الأمريكية لمصر، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية، تم تقريرها عقب توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل. ومن المعلوم أن حجم المساعدات التى تدفعها الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل (3 مليارات دولار) يمثل ضعف ما تدفعه لمصر (1.5 مليار دولار). الأمر الذى يعنى أن أساس تحريك الدولار الأمريكى نحو الغير تحكمه سياسات ثابتة تقوم على دعم إسرائيل فى الأساس، حتى ما تدفعه لمصر يصب فى هذا الاتجاه، لأن السلام مع مصر يصب فى صالح إسرائيل بصورة أو بأخرى، لذلك علينا أن نأخذ فى الاعتبار أن أى إجراء يتعلق بتقليل المعونة الأمريكية لمصر أمر يخضع لحسابات سياسية معينة نستطيع أن نعتمد عليها كمؤشر يحدد نظرة وتقييم الولايات المتحدة للوزن الإقليمى لمصر فى المنطقة.
ظروف كثيرة تكاثرت على هذا البلد خلال السنوات الماضية أثرت بصورة نسبية على أدواره على مستوى الإقليم الذى نعيش فيه، بعضها داخلى والآخر إقليمى. الظروف الداخلية مفهومة وتتمثل فى حالة الانشغال التى فرضتها الضرورة بالأوجاع الاقتصادية والسياسية التى عانى منها الواقع المصرى، بسبب سوء الإدارة من ناحية، والإرهاب بشتى تجلياته من ناحية أخرى. وهى أمور طبيعية، ومؤشرات عديدة تدلل على أن مصر بدأت تتعافى منها، وعلى المستوى الإقليمى أبت مصر أن تزج بنفسها فى العديد من الملفات الإقليمية الملتهبة، خصوصاً الملف اليمنى، وهو الأمر الذى لم يرض العديد من الحكومات الخليجية التى تتمتع بعلاقات ممتازة مع الولايات المتحدة الأمريكية. أضف إلى ذلك تراجع قضية الصراع العربى الإسرائيلى على أجندة الاهتمامات العربية، مقابل صعود قضايا من نوع الصراع السنى الشيعى، والصراع بين العرب وإيران، وغير ذلك. كل هذه العوامل أثرت على موقف الولايات المتحدة من المعونة التى تمنحها لمصر، تلك المعونة التى ترتبط بحبل سرى بالدعم الأمريكى لإسرائيل.
أعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تربط بين مسألة خفض المعونة وملف حقوق الإنسان بمصر. وموضوع حقوق الإنسان فى النهاية هو موضوع مصرى يصح أن نناقشه هنا داخل مصر، وتدخّل الولايات المتحدة الأمريكية فيه أمر يصعب قبوله من ناحيتين: الأولى أن الولايات المتحدة غير مؤمنة بحقوق الإنسان إلا كورقة تضغط بها على الحكومات، ساعة الغضب عليها، كذلك تقول التجربة. والثانية أن الشعب المصرى وحده هو القادر على حل مشاكله فيما يتعلق بهذا الملف.. منذ متى كانت الولايات المتحدة تحرص على حقوق الإنسان فى مصر أو غيرها؟!