(١) التقيت المرشد «عاكف» فى الموعد المتفق عليه لمناقشة تطوير أداء عمل الجماعة الذى طرحته عليه، ووجدته يبدى ترحيباً كبيراً به، وقال إنه قرأه أكثر من مرة.. لكننى لاحظت أثناء المناقشة أن المرشد فى وادٍ والمشروع المطروح فى وادٍ آخر.. وبدا الأمر كما لو كانت محاولة منه لاحتواء ما بى من غضب تجاه مشروع تعديل اللائحة الذى طرحه فى الجلسة المهزلة لمكتب الإرشاد التى انعقدت فى ٤ مايو ٢٠٠٩.. حاولت من جانبى جاهداً أن أنتهى إلى خطوات إجرائية لمشروع التطوير، لكن دون فائدة.. وفى النهاية اقترح علىّ أن ألتقى أعضاء مجلس الشورى فى مناطقهم للتحدث معهم، لا أن يطرح الأمر على مكتب الإرشاد، فوافقته.. ثم عاد بعد ١٥ دقيقة ليقول: ليكن معك الأخوان الكتاتنى والحسينى، فقلت: لا مانع، على اعتبار أنهما عضوا مكتب.. لكن تبين لى بعد ذلك أنها كانت خطوة للتملص من المشروع برمته..
(٢) فى نفس اللقاء أثار المرشد معى موضوع اختيار النائب الثالث بديلاً عن النائب حسن هويدى (السورى) الذى توفى.. ومن الإنصاف أن أقول إن الشخصية التى اقترحها لهذا الموقع كانت متميزة وتعتبر إضافة وإثراء لمكتب الإرشاد العام.. لكنى أخبرت المرشد أن هذه الشخصية لا تتوافر فيها الصفات اللائحية اللازمة.. فالرجل ليس عضواً بمجلس شورى التنظيم الدولى، وليس عضواً بمكتب الإرشاد العام كما تقضى المادة (٢٠) من اللائحة العامة التى تنص على: «يختار المرشد العام نائباً أو أكثر من بين أعضاء مكتب الإرشاد العام».. فقال المرشد (باستهانة): وماله.. نقوم بتعيينه فى مجلس الشورى العام، ثم نجرى انتخابات ونختاره عضواً بمكتب الإرشاد العام، وبالتالى نستطيع أن نختاره نائباً ثالثاً(!!!). قلت: إن التعيين فى عضوية مجلس شورى التنظيم الدولى ممكن، لكن كيف تضمن أن هذا المجلس سيقوم بانتخابه هو دون غيره؟ قال: حينما يعلم مجلس الشورى أن هذه هى رغبتى، سيقوم بانتخابه(!!) قلت (وقد اعترتنى حالة من الغثيان): نحن بذلك نكون قد جعلنا من مجلس شورى التنظيم الدولى أضحوكة، فلا رأى، ولا تفكير، ولا انتخاب حقيقى.. أردفت قائلاً: هو فقط ينفذ رغبات المرشد، ثم ما هو وضعنا وصورتنا أمام هؤلاء الأعضاء؟ وإذا كان أحدهم أو بعضهم يتصور أنه أحق بهذا الموقع، فما هى نظرته إليك؟. وما هو النموذج الذى نعطيه للإخوان، وللآخرين، وللتاريخ؟ ثم قلت: يا أستاذ «عاكف».. لا بد من الالتزام باللائحة، قال المرشد: لا نريد أن نقيد أنفسنا بلوائح.. الدستور الإنجليزى ليس مكتوباً، قلت: صحيح أنه ليس مكتوباً، لكنه محفور فى صدور البريطانيين، ولا أحد يستطيع أن يخالفه، وإلا قامت عليه الدنيا ولم تقعد.. استطردت قائلاً: هل إذا كانت اللائحة تتوافق مع رغباتنا، ركضنا نحوها، وإذا كان العكس أوليناها ظهورنا؟! حينذاك قال المرشد: هو النائب بيعمل إيه يعنى؟! وقعت علىّ هذه العبارة كالصاعقة، وأصابنى شىء من الذهول، وتساءلت بينى وبين نفسى: هل يعى الرجل ما يقول؟ وهل نسى أنه يخاطب نائبه؟ وإذا كان ذلك هو حقيقة ما يعتقد بالنسبة للنائب ودوره، فلا داعى للمناقشة أصلاً، بل لا داعى لى أنا شخصياً.. كنت غير مصدق لما أسمع، وقلت ربما كانت زلة لسان وأن المرشد لم يقصد ذلك.. لذا، راجعته فيما قال وإذا به يصر على ما تفوه به(!!)
(٣) غادرت المكان وأنا حائر، لا أدرى ماذا أفعل.. إن الرجل يعبث بكل شىء؛ مؤسسات الجماعة، لوائحها، نظمها، المكتب، ونوابه، فماذا بقى؟!! لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى.. لقد أعطيناه فرصاً كثيرة، لكن ذلك لم يزده إلا طغياناً وعبثاً وتهريجاً.. فهل أُلقى بالاستقالة فى وجهه وأمضى؟ ثم استدركت: أن الجماعة ليست هى المرشد، ولا نوابه، ولا مكتب الإرشاد، إنها أكبر من ذلك بكثير.. لذا، قررت أن أطرح فكرة الاستقالة جانباً، وأن أقاوم هذا الاهتراء ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.. نعم لن أجد من يساعد أو يساهم بجهد، بل ربما وجدت من يقف فى مواجهة ذلك من أعضاء المكتب أو من بعضهم، فهذه هى ثقافة الإخوان، وهى أن يقفوا دائماً إلى جوار المرشد.
(٤) كان هذا الحوار يوم الخميس ٢٨ مايو ٢٠٠٩، وبعدها بيومين (أى السبت) التقانى الرجل، وبادرنى بقوله: إيه رأيك فى أن يكون معكم أنت والكتاتنى والحسينى، مشرف القطاع أثناء حديثك إلى أعضاء مجلس الشورى؟ قلت: لا ضير.. المهم أنى فوجئت بالمرشد بعدها يطرح على المكتب فكرة الالتقاء بأعضاء مجلس الشورى، ضارباً عرض الحائط ما اتفقنا عليه، فقالوا: ولم لا؟ يمكن أن ندعوهم إلى هنا لنقول لهم ما نريد ونستمع إليهم فيما يسألون عنه أو يقترحونه.. ولا بأس من أن نضع جدول أعمال اللقاء، فذلك أدعى للتركيز والتحديد حتى تحصل الفائدة.. ولم يكن هناك بطبيعة الحال أى إشارة للمشروع الذى طرحته على المرشد والذى رحب به ترحيباً كبيراً(!!!)
نظرت إلى وجه المرشد لعلى أجد إجابة أو تفسيراً لما حدث، فإذا به يتحاشى النظر إلىّ، ثم يستأذن فى الانصراف.. ودارت فى ذهنى تساؤلات كثيرة: لماذا يفعل الرجل ذلك؟ ولماذا لم يقل لأعضاء المكتب ما تم الاتفاق عليه بينى وبينه! هل لأنه غير مقتنع بالمشروع ويريد التحلل منه خطوة خطوة؟ لكن الرجل أبدى ترحيباً به، فهل كان الترحيب مناورة منه؟ وهل كان من الممكن لحظتها أن أكشف المستور أمام أعضاء المكتب؟ وما أثر ذلك على مرشدهم؟
(٥) لقد حدث من الأعضاء ما سبق أن حكيت عنه يوم الجلسة المهزلة لمكتب الإرشاد، التى تواطأوا فيها مع المرشد بهذه الصورة.. وبالتالى، سواء قمت بمصارحتهم بما كان من المرشد أو لا، فالنتيجة ربما كانت واحدة.. لكن هكذا جرت أقدار الله.. من المؤكد أن هذا شىء محزن ومؤلم وموجع لكل من سيقرأه من الإخوان، خاصة هؤلاء الشباب الذين يتسابقون لتقبيل يد المرشد، والذين يصب فى آذانهم ليل نهار عبارة «السمع والطاعة والثقة فى القيادة»، وهم لا يعلمون شيئاً عما يجرى على أرض الواقع.. من المؤكد أيضاً أنه شىء صادم ومحبط لهؤلاء الذين يتعاطفون مع الإخوان ويرون فيهم أمل الأمة ومعقد رجائها.. وهؤلاء وأولئك ينسون أو يغفلون عن أن هذه النوعية من القيادة التى تتسم بالمراوغة والعبث وعدم الالتزام، بل والخلط العجيب بين ثوابت الإسلام ودعوته النقية الصادقة التى تسعى للارتقاء بالمنظومة القيمية والأخلاقية والإيمانية والإنسانية من ناحية، وبين السياسة ومتغيراتها وحيلها وألاعيبها وإسفافها من ناحية أخرى.. (وللحديث بقية إن شاء الله).