الرفض الذى استقبل به الكثيرون صور مخيمات الحج الفاخر دليل نضج يشهده الوعى المصرى، هذه الظاهرة موجودة منذ أكثر من عشرين عاماً، وتزايد الإقبال عليها مع زيادة ولع المصريين بالتدين الشكلى والطقوسى، وأيضاً مع تراكم الثروات لدى شريحة معينة فى زمن الرئيس مبارك، الجديد هذا العام أن جريدة سعودية أجرت تحقيقاً ميدانياً ونشرت صوراً توضح مدى الرفاهية التى يتمتع بها حجاج الحج الفاخر داخل الخيام المكيفة بينما يقف مئات الآلاف على جبل عرفات تأدية لشعيرة الحج العظمى، ويصوم ملايين المسلمين فى نفس اليوم احتراماً لرمزيته.
سمعت دفاعاً لأحد مشاهير الدعاة الجدد فى مصر يدافع فيه عن الظاهرة كان يقول فيه إن الحج ليس ثورة شيوعية وإن الهدف من الحج ليس المساواة بين الأغنياء والفقراء!
أتفق مع الداعية الشهير فيما قال لكننى أدعوه ليتأمل فى ذلك العنوان الضخم الذى هو (مقاصد الشريعة).. ما هو الأنفع للمجتمع وللمسلمين.. أن يجتمع الآلاف من الأثرياء والفنانين والمشاهير فى كل عام ويهدروا عدة ملايين من الدولارات يكرروا من خلالها أداء فريضة الحج، أم أن يخصص كل منهم نصف المليون جنيه الذى ينفقه خلال يومى الحج لما ينفع المسلمين؟
ماذا لو خصص كل حاج فاخر هذا المبلغ سنوياً لكى يشارك به شاباً نابغاً فى تنفيذ مشروع أعدت له دراسة جدوى؟
ماذا لو اجتمعت مجموعة من هؤلاء الحجاج الفاخرين وقرروا أنهم لن يذهبوا إلى الحج وسيخصصون التكاليف لتأسيس مدرسة ذات مواصفات مميزة لاحتضان الطلاب المتفوقين؟
وهناك بالطبع العشرات من أوجه الإنفاق الأخرى التى يحتاجها المجتمع وتتحقق له الفائدة من الإنفاق عليها أكثر مئات المرات من الفائدة الفردية التى تتحقق من اجتماع أفراد من النخبة المصرية فى خيام فندقية مكيفة يقضون فيها الوقت حتى انتهاء الشعائر ثم يهنئ كل منهم الآخر بأدائه فريضة الحج!
إصلاح الخطاب الدينى يبدأ بالنظر إلى مقاصد الشريعة، وبتغيير ما يمكن تسميته «عادات التدين الاستهلاكى والشكلى» لدى المصريين.. لكن أحداً لا يريد إصلاح الخطاب الدينى حالياً.. أو هكذا يبدو الأمر حتى الآن!