عن استفتاء استقلال إقليم كردستان المزمع إجراؤه يوم 25 سبتمبر الحالى أتحدث. دول كثيرة أعربت عن رفضها للاستفتاء. الحكومة العراقية رفضته، وكان من الطبيعى أن تفعل، بحكم تمركز الكثير من الحقول الغنية بالنفط فى الجزء الكردى من دولة العراق، ناهيك عن انحياز حكومة بغداد لطهران التى ترفض رفضاً قاطعاً إقامة دولة كردية مستقلة. موقف الولايات المتحدة متميع، فهى تطالب فقط بتأجيل الاستفتاء، لكنها لا تعترض عليه، وليس أدل على ذلك من عدم تطرق الرئيس الأمريكى «ترامب» إلى هذا الأمر وهو يتحدث عن مشكلات العالم وموقف الولايات المتحدة منها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضى. تركيا ترفض بشكل بات إقامة دولة كردية مستقلة على حدودها، خصوصاً أنها تشارك إيران فى وجود أكراد بين مواطنيها، طامحين هم الآخرون إلى الانخراط فى الدولة المستقلة، وقد بلغ الأمر بتركيا حد التهديد المباشر بالحرب فى حالة إقامة دولة كردية مستقلة.
الدولة الوحيدة التى توافق على الاستفتاء الكارثى، وأعلنت دعمها له بكل قوة، هى «إسرائيل». الأكراد أنفسهم يستوعبون هذا الأمر ويفهمون أن الدولة الصهيونية تعد الداعم الأكبر لهم، وأن الولايات المتحدة تطالب بالتأجيل ذراً للرماد فى الأعين ليس أكثر. نقلت العديد من وسائل الإعلام العالمية عدة صور توضح مشاهد المظاهرات الكردية الداعمة لاستقلال الإقليم، وتبين كيف حمل المتظاهرون فى أيديهم أعلام كل من كردستان المستقلة وإسرائيل، فى رسالة لا تخطئ تشير إلى حالة التناغم ما بين المسئولين داخل الكيانين. هذه الصور والمشاهد يجب ألا تمر هكذا، لأنها تحمل فى طياتها الكثير من المخاطر التى يمكن أن تتفاقم أكثر وأكثر إذا نجح مسعود برزانى فى تمرير الاستفتاء الذى سيتم الموافقة عليه، ليتم تأسيس دولة كردية تمثل شوكة جديدة على خريطة القومية العربية إلى جوار دولة إسرائيل.
والسؤال: ماذا لو حدث المتوقع ومر الاستفتاء وأعلن الأكراد استقلالهم فى دولة؟. هناك سيناريوهان يحددان مسار الأحداث، أولهما أن تتدخل أطراف عسكرية خارجية مثل تركيا وإيران فى المنطقة الكردية بهدف إحباط عملية الانفصال. وهو أمر ليس بالسهل ولا باليسير، لأن الأكراد سيجدون دعماً كبيراً من كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. المسار الثانى هو مسار الحرب الأهلية التى ستنشب بين القوميات والمذاهب المتنافرة فى العراق، وتحديداً بين القوميتين العربية والكردية، وهى حرب لا يعلم أحد مداها إلا الله، لأن هذه الحرب ستخوضها الأطراف المتصارعة فى العراق بالوكالة عن أطراف دولية أخرى، بعضها ضد الدولة العرقية الجديدة وبعضها معها.
اللافت فى الأمر أننا لم نسمع أى تعليق جاد من أى من المسئولين العرب حول هذا الاستفتاء وموقفهم منه، رغم النتائج الخطيرة التى يمكن أن تترتب عليه، ربما تظهر لهم مواقف أو آراء أو وجهات نظر فيما بعد الاستفتاء الذى تبعدنا عنه ساعات. حتى الآن لم يزل السكوت والتزام الصمت هما سيدَى الموقف على المستوى العربى، وأخشى أن يكونا «علامة رضا» أو «استكراد» للشعوب العربية.