عندما تناقلت وكالات الأنباء صور فرحة بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطانى، بزيارة أهرامات الجيزة، فبراير الماضى، عكست حجم التناقض فى العلاقات بين مصر وبريطانيا؛ ارتياح أرفع مسئول سياسى بريطانى لمستويات الأمان بالمناطق السياحية، مقابل رفض حكومة «تيريزا ماى» استئناف الرحلات الجوية لمصر، استمراراً لضغوطها على النظام السياسى المصرى منذ سقوط حكم الإخوان 30 يونيو 2013.. الغارات المصرية على معاقل المتطرفين فى ليبيا، مايو الماضى، أحدثت تغييراً جوهرياً فى توازنات القوى بين الجيش الوطنى بقيادة «حفتر»، وحكومة الوفاق برئاسة «السراج»، المدعومة من الميليشيات التابعة للإخوان، ما سمح للجيش بتحرير المنطقتين الوسطى والجنوبية، وإحباط محاولات الميليشيات للعودة إليها، نتيجة للنجاح فى وقف الإمدادات القطرية والتركية عن طريق الجو والبحر، واستهداف خطوط الإمدادات البرية عبر السودان.. موافقة أمريكا، وقبول روسيا، وعدم ممانعة أوروبا على استهداف مصر المباشر للبؤر الإرهابية فى ليبيا أربك حسابات بريطانيا بالمنطقة، خاصة بعد الحصار العربى لقطر، الداعم الأول للإرهاب، وللإخوان، ما أجبر «السراج» على التجاوب مع وساطة مصر والإمارات، وتوقيع اتفاق باريس، ما يفسر مسارعة لندن بإيفاد إليستر بيرت، وزير الدولة لشئون الشرق الأوسط، إلى القاهرة أواخر أغسطس، واتهامه للإخوان لأول مرة بـ«إخفاء أجندتها المتطرفة»، ووعده بفرض رقابة مشددة على أنشطتها، واتصالاتها الدولية، ومصادر تمويل جمعياتها، وفى نفس الوقت دفع جونسون، وزير الخارجية، لطرابلس ولقائه بـ«السراج»، ثم انتقاله لبنغازى لأول مرة لمقابلة «حفتر» وبعض أعضاء البرلمان، فى تحول مهم فى السياسة البريطانية، اعترفت فيه بقائد الجيش الليبى وبدوره السياسى.. مصر لا تغير الأوضاع الجيوستراتيجية بالمنطقة فحسب، بل تجبر بريطانيا على مراجعة أسس سياستها التقليدية.
المخابرات البريطانية تعتمد على تنظيمات الإسلام السياسى كإحدى أهم أدوات تنفيذ سياستها الخارجية، وذلك منذ الثورة العربية الكبرى 1916/1918، وتأسيس الإخوان فى مصر 1928.. من خلالهم تُشعل نيران الفوضى، تثير الثورات ضد الأنظمة، تقود الحركات الانفصالية، وتوظفهم كمصادر معلومات عن دولهم، لذلك توفر لهم مقرات للإقامة، تمنحهم حق اللجوء السياسى، وتسمح لهم بحرية الحركة والاتصال، الـ«فورين بوليسى» كشفت «يناير 2017» عن اعتماد بريطانيا ميزانيات لقسم مكافحة الإرهاب لتعزيز ما وصفوه بـ«الإسلام المعتدل» من خلال مشروع «الإسلام البريطانى».. جرائم الإخوان ضد أقباط مصر بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة «حرق الكنائس، السلب والنهب والاعتداء على الممتلكات، استهداف المرافق العامة..»، والضغوط الهائلة من مصر والسعودية والإمارات لاعتبار الإخوان «جماعة إرهابية»، ومنعهم من استخدام لندن كمركز عمليات للتنظيم الدولى، وضعت بريطانيا أمام موقف محرج، شكل على أثره ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء السابق، لجنة برئاسة السير جون جينكينز، سفير بريطانيا السابق لدى السعودية، لمراجعة نشاطهم وعلاقتهم بالتطرف، خلصت إلى أن «الانتماء للجماعة أو الارتباط بها ينبغى اعتباره مؤشراً محتملاً على التطرف، وتبنى العنف»، وعقب «كاميرون» بأن «الجماعة أصبحت كفكر وكشبكة نقطة عبور لبعض الأفراد والجماعات ممن انخرطوا فى الإرهاب».
بمجرد نشر التقرير «ديسمبر 2014» عبأ الإخوان أجهزتهم لاحتواء تأثيراته.. فى علاقة بريطانيا والإخوان يصعب الجزم «أى الأطراف يوظف الآخر»!!، تقرير «جينكينز» أكد وجود ثلاثة مبانٍ إدارية بمنطقة أيلينج غرب لندن «ويستجيت، كراون، بيناكل هاوس» تضم المقرات الرئيسية للمنظمات الساترة لأنشطة الإخوان فى بريطانيا والعالم؛ منظمات دعم حقوقى وسياسى «قرطبة للحوار العربى الأوروبى، المبادرة البريطانية، الرابطة الإسلامية، المجلس الإسلامى، مركز العودة، مركز الإمارات لحقوق الإنسان»، مؤسسات إعلامية «ميدل إيست مونيتور، شبكة المكين، ميدل إيست آى، شركة الخدمات الإعلامية الدولية، قناة الحوار»، مؤسسات بحثية «مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، الأكاديمية البحثية للتعليم الإسلامى، معهد الفكر الإسلامى السياسى»، منظمات ساترة لعمليات الفرز والتجنيد «اتحاد المنظمات الطلابية الإسلامية»، جمعيات تمويل خيرية «صندوق الإغاثة والتنمية الفلسطينى، ائتلاف الخير، منتدى الجمعيات الخيرية، منظمة الإغاثة الإسلامية، منظمة المجتمع الإسلامى، أمانة أوروبا..»، ضغوط الإخوان واللوبى التابع لهم، وتأثيرهم على مراكز صنع القرار، سمح لطارق سعيد رمضان، حفيد حسن البنا من والدته، بالشهادة على سلمية الجماعة!!، ولإبراهيم منير، أمين التنظيم، بالتأكيد أنهم ليبراليون لا ينبذون المثليين جنسياً!!، وخصص جلسات استماع بلجنة العلاقات الخارجية لما يدعى بـ«المجلس الثورى للإخوان بتركيا»، مسئولو أجهزة الأمن البريطانية كشفوا تعاون قيادات الجماعة فى تحديد الجماعات المتطرفة الأخرى التى تخطط لتنفيذ أعمال العنف والإرهاب، وآخرها مجموعة أبوحمزة المصرى الإرهابية، قطر استخدمت نفوذها الاقتصادى والسياسى لحماية وجود الجماعة فى لندن، كما كلفت مكتباً متخصصاً للمحاماة لتسوية أوضاع العشرات من قيادات التطرف، وعلى رأسهم عاصم عبدالماجد، طارق الزمر، محمد محسوب، أشرف بدر الدين، محمود حسين، حمزة زوبع.. إلخ، حتى يسمح لهم بدخول بريطانيا، أسوة بمن سبقوهم من المطلوبين للقضاء المصرى من إسلاميين وإرهابيين ورجال أعمال، ما يفسر أن بريطانيا هى الدولة الأوروبية الوحيدة التى لم توقع على الاتفاقية الدولية لتبادل المطلوبين للعدالة، بل على العكس تفتح أبوابها للمطاردين بحجة «اللجوء السياسى»، باعتبارهم «مضطهدين فى أوطانهم».. نتيجة لتلك التعبئة، وذلك الحشد برأت اللجنة البرلمانية الإخوان، وفندت ما جاء بتقرير اللجنة الحكومية.. تعددت المطالب داخل البرلمان بإعادة النظر فى التقرير، لكن الإخوان نجحوا فى إحباطها.. بعد هجوم ويستمنستر الإرهابى قرب البرلمان، مارس الماضى، ترددت دعوات لإعادة فتح الملف، لكن قطر أحبطتها بزيارة رئيس الوزراء ووزير الداخلية، والإعلان عن ضخ استثمارات صناعية جديدة بـ6.3 مليار دولار.
إبراهيم منير اعترف بتعاون الإخوان مع أجهزة الأمن البريطانية، و«زوبع» اتهم المخابرات البريطانية بالتحكم فى التنظيم، وعلاقتهم مع المخابرات الأمريكية والتركية والقطرية تجاوزت السرى إلى المعلن.. فلاديمير سافرونكوف، مندوب روسيا بالأمم المتحدة، اتهم بريطانيا «أبريل 2017» بإيواء ودعم الميليشيات والجماعات الإرهابية التى نفذت تفجيرات كنيستى طنطا والإسكندرية خلال أحد الشعانين.. تراجع الإخوان أمام المد الوطنى بدول المنطقة، خاصة فى ليبيا، أضحى يهدد مصالح الغرب، فرنسا تبنت سياسة متوازنة، وأمريكا وروسيا وافقتا على الدور المصرى، تدخلات قطر لدعم التنظيم لدى بريطانيا تستند أساساً إلى أدوات اقتصادية، لكن الإمبراطورية القديمة لن تقبل بتراجع دورها السياسى، الذى طالما كان ملهماً لسياسات واشنطن، ما يجزم بتغيرات سياسية يقتصر فيها دور الإخوان -لأول مرة- على مجرد التعاون مع أجهزتها الأمنية فى الداخل والخارج، وهذا ليس بغريب على تنظيم تورط ممثله فى قضيتى تخابر خلال عام واحد شغل فيه مقعد الرئاسة بمصر.. سابقة فريدة، سيقتحم بها الإخوان موسوعة جينيز من أسوأ أبوابها.