عدت إلى البيت وقد استنشقت عطرا قبوريا رائعا، واستمتعت بدفء الشمس لساعتين، ولولا الجوع ما تركت مثل هذه اللحظات النادرة لتمر من دون اقتناص، عدت فطبخت لي ولسباستيان، اليوم هنا مبروك، من الممكن أن تفعل فيه كل شئ، تتنزه، تطبخ، تنام، تقرأ، تكتب، تشاهد التليفزيون، وفي الليل تسهر مع الأصدقاء.
نعم كل هذا في يوم واحد، فلقد خرجت في الصباح لساعتين مررت فيهما على كل لونا، ثم عدت فطبخت وأكلنا، ثم نمت واستيقظت، وقرأت وكتبت، وجلست مع سباستيان، فشاهدنا سويا ثلاث حلقات من مسلسل كوميدي، تدور أحداثه حول رجل كل وظيفته هي تجهيز الموتى ودفنهم (حانوتي)، ومع كل حالة دفن يجد الرجل نفسه في مواقف مثيرة لا تخلو من كوميديا، أو بالأحرى من سخرية! بعد الحلقة الثالثة تركني سباستيان ليذهب لأصدقائه؛ فسهرة من نوع خاص تنتظره، هكذا قال لي وهو يهم بالخروج فرحا مسرورا، ترى أين أنت ذاهب يا سباستيان؟!
واصلت وحدي مشاهدة حلقات المسلسل الكوميدي، ثم انتبهت على اتصال من رقم غريب، ترى من المتصل؟ كان سباستيان، عرفته من أول كلمة، على الرغم من محاولته تغيير نبرة صوته:
" ارتدِ بنطلونا فورا وانتظرني، ستأتي لتسهر معنا"
ماذا؟ ما دخل البنطلون بالسهرة؟ تساءلت!
لا تفهمني خطأ، فقط ارتدِ شيئا مناسبا لسهرة طويلة! أجاب سباستيان، ثم واصل: سأمر عليك بعد عشر دقائق.
"شيئا مناسبا لسهرة طويلة" ماذا يقصد؟ وما هو المناسب، وأي سهرة؟!
لا أحب السهر، وأملُّ من الحفلات سريعا، أميل أكثر إلى العزلة، وفي نفس الوقت أحب الإثارة، وأعشق المغامرة، وأطوق إلى التعرف على الناس، وأجد متعة كبيرة في الحديث معهم. أعرف أن في ذلك تناقض، نعم أنا متناقض؛ إذ لا مغامرة مع عزلة، ولا حديث مع الناس من دون سهر وحفلات. معادلة صعبة، ولكنها بلا شك مثمرة.
بعد عشرة دقائق من اتصال سباستيان كنت جاهزا، أو إن شئت فقل: متأهبا، سألت سباستيان: كم عدد الساهرين معنا؟ أجاب: العدد ثمانية وقابل للزيادة. هل يجب على أن أحضر معي شيئا؟ أجاب متسائلا: ولم؟!
أشعر بالحرج كثيرا إذا ما زرت أحدا من دون أن أقدم له شيئا، ولو بسيطا، ربما مع الشباب الأمر هنا مختلف، سنرى.
كان العدد ثمانية، ثلاث فتيات وخمسة رجال، ثم انضم إلينا لاحقا فتاتان فصار العدد عشرة. استقبلوني بترحاب، يبدو أن سباستيان أخبرهم عني، ترى ماذا قال لهم؟!