الجدل الدائر اليوم فى مصر بشأن قرار رئيس الجمهورية بعودة مجلس الشعب يرهق الجميع، من مسئولين وقضاة وقانونيين وسياسيين مشاركين فى الجدل وفى الشد والجذب من حوله، ومن متابعين له ومعقبين عليه بين الإعلاميين والمواطنين.
يرهق لأن شبهة التورط فى إهدار حكم قضائى أصدرته المحكمة الدستورية العليا تحيط بقرار الرئيس من جوانب كثيرة، ما لم تأتِ الجمعية العمومية الطارئة للمحكمة الدستورية (المنعقدة اليوم) برأى آخر وهو أمر غير متوقع، أو يذهب القضاء الإدارى إلى عدم قانونية قرار المجلس العسكرى بحل مجلس الشعب فى أعقاب حكم الدستورية، وهذا من شأنه إثارة المزيد من الجدل والتنازع بين السلطات.
يرهق لأن حل مجلس الشعب رتب وبفعل إعلان دستورى مكمل مرفوض انتزاع المجلس العسكرى للاختصاص التشريعى، وهو أمر يتنافى مع مبادئ وإجراءات الديمقراطية التى ينبغى أن يدير شأنها المدنيون المنتخبون. ومن ثم يصبح التخلص من سلطة تشريع يسيطر عليها «العسكرى» فى صالح التطور الديمقراطى وتمكين المؤسسة التشريعية المنتخبة. إلا أن شبهة إهدار أحكام القضاء وإعادة مجلس شعب للحياة دون حسم للشكوك الدستورية وتجاهل سيادة القانون جميعها ترهق وتضع الكثير من العلامات السلبية على قرار الرئيس.
يرهق قرار عودة المجلس لأن بعض المسئولين والسياسيين والمحللين من مؤيدى ومعارضى القرار لا يفعلون إلا تسفيه الرأى المخالف وتخوين المخالفين والمزايدة بلا سقف أخلاقى أو سياسى أو وطنى. هل يعقل أن يدعو أحدهم بعد قرار الرئيس لانقلاب عسكرى ضده ومنعه من دخول القصر الجمهورى؟ هل يقبل أن ترتفع أصوات بعض أنصار الدولة المدنية لتطالب العسكرى بالتدخل ووقف الرئيس عند حده، فى تجاهل كامل لحقيقة أن المدنية والديمقراطية التى ندعو لهما عمادهما عدم تدخل المؤسسة العسكرية فى السياسة؟ ومن جهة أخرى، هل يحق تسفيه رأى المعترضين على قرار الرئيس بسبب شبهة إهدار أحكام القضاء وسيادة القانون وتخوينهم بادعاء تأييدهم للعسكرى، على الرغم من أنهم من معارضى ترك سلطة التشريع للعسكرى؟ وإن كان السياسى ينزع للآراء الحادة ولا يتورع عن كيل الاتهامات، فكيف لأكاديميين ومحللين (بعضهم من مصريى الخارج) أن يتورطوا فى ذات الممارسات السلبية؟
يرهق الجدل بشأن عودة مجلس الشعب. ونزيد نحن من الإرهاق والغموض بغياب الهدوء والعقلانية عن تعاملنا معه، واستعداد البعض منا من مؤيدى ومعارضى القرار للمساومة على مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون والتعددية دون سقف.