قرار الدكتور «محمد مرسى» بإعادة مجلس الشعب يشكل نقلة نوعية فى رحلة سعيه نحو استخلاص صلاحياته كرئيس للجمهورية. فالقرار يعبر فى ظاهره عن نوع من التحدى للمجلس العسكرى، لكنه فى باطنه يعكس رغبة أشد فى تحدى جماعة الإخوان المسلمين! أو قل إن قرار «مرسى» يعد لعبة خلفية مزدوجة يهدف الرئيس من خلالها إلى استخلاص صلاحياته من الجهتين المكبلتين له: «العسكرى من ناحية والإخوان من ناحية أخرى».
قد يستغرب البعض من القول بأن قرار مرسى يشكل تحدياً للإخوان، لكننا بقليل من التأمل يمكن أن نخلص إلى هذا الاستنتاج. تعالوا نتفق أولا على أن استخلاص السلطة يعنى ببساطة تبرئة القرار من سيطرة أية قوة من خارج مؤسسة الرئاسة، سواء تمثلت هذه القوة فى المجلس العسكرى أو مكتب الإرشاد. وذلك ما يفعله الدكتور محمد مرسى بالضبط من خلال القرار الذى اتخذه والقرارات الأخطر المحتمل أن تعقبه! فالرئيس -بهذا الأداء- يستطيع أن يخلق له ظهيراً شعبياً لا يستهان به، يمكن أن يساعده على مواجهة المجلس العسكرى من ناحية، بالإضافة إلى الغطاء الشعبى الذى يوفره له والذى قد يدعوه إلى «رفص» غطاء جماعة الإخوان من ناحية أخرى. وربما يكون ذلك هو الجانب الأخطر فى القرار.
علينا أن نفهم أن مرور مرسى بقرار عودة مجلس الشعب يمكن أن يفيد الجماعة بعض الوقت، لكن صاحبه -أى الرئيس- سوف يستفيد منه كل الوقت. وإذا سمح المجلس العسكرى بتمريره دون مواجهة حقيقية فإن ذلك سوف يشكل ضربة للإخوان فى اللحظة الحالية وفى المستقبل.. فالكل يعلم أن أية تشريعات سوف تصدر عن المجلس لن يكون لها أى حيثية قانونية بل ستكون باطلة بحكم بطلان المجلس، بما يعنى أن الإخوان اشتروا الترماى عندما هللوا لهذا القرار. وفى المستقبل لا تضمن الجماعة تحقيق نفس الأغلبية التى حققوها فى هذا المجلس فى أية انتخابات قادمة، نتيجة تراجع شعبيتها مقابل زيادة شعبية الرئيس.
من العجلة -والعجلة من الشيطان- أن يتصور البعض أن «مرسى» يجتهد فى استخلاص السلطة لصالح جماعة الإخوان، فالواقع أنه يعمل لصالحه كرئيس منتخب. وإذا صح الظن بأن الدكتور مرسى قد اتخذ هذا القرار بعيداً عن أسلوب الجماعة المعروف فى عقد الصفقات مع المجلس العسكرى فأعتقد أن نجاحه فى تمريره سوف يعنى انعتاقه من الجماعة وهرولته نحو الشعب لكى يجعل منه ظهيراً له. سوف تثبت الأيام أن قرار عودة مجلس الشعب لا يصب فى مصلحة الإخوان، بل يفيض فى مصلحة «مرسى» فى الأساس. وساعتها سوف يكون «العايط على الفايت نقصان عقل»!