هناك مشكلة حقيقية نعانى منها فى ما يتعلق بملف حقوق الإنسان، ومن ينكر ذلك لا يرى الحقيقة، وإذا كانت المشكلة تتلخص فى الخطاب المطلوب استخدامه للتعامل مع الرأى العام المحلى والدولى، فإن المشكلة الأكبر فى أن نحدد معنى الخطاب المطلوب.
نردد دائماً أن مشكلتنا فى غياب الخطاب، وهو ما يحدث مثلاً فى مسألة تجديد الخطاب الدينى منذ أعلن السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن واحداً من جوانب مواجهتنا مع الإرهاب هو تجديد خطابنا الدينى للتعامل مع معطيات العصر الجديد، لكننا حتى الآن لم نحدد معنى الخطاب المطلوب.
فى تقرير «هيومان رايتس ووتش» الأخير تبدو المؤامرة واضحة. لكن هل يكفى أن نعتبر ما نراه وما نعتقده كافياً لإقناع العالم أن التقرير مؤامرة، حاكم دويلة قطر التقى قبل أيام كينيث روث فى الأمم المتحدة، و«روث» ظهر على «الجزيرة مباشر» فى 24 يوليو الماضى وقال إن قطر فوق مستوى الشبهات وتلعب دوراً مهماً فى محاربة الإرهاب، والسعودية هى الممول الأول للفكر المتطرف، وهى مبررات كافية للحديث عن دوافع ومصالح بين الـ«ووتش» وبين حاكم قطر.
كل ذلك لا يكفى لإقناع الرأى العام العالمى، المطلوب خطاب مختلف لا يتحدث ببيان المؤامرة ولا بتفاصيل علاقات ما خلف الستار، وإنما يتحدث بمفردات تترجم الواقع وتقنع الآخر بصحة بياننا.
الخطاب المطلوب ليس ألفاظاً أو جملاً وعبارات، وإنما هو فعل على الأرض وممارسات وسلوكيات، فالخطاب الذى يترجم واقعاً فعلياً لا يستطيع أحد مخالفته أو التشكيك فيه.
فى مصر مشكلة حقيقية بين مؤسسات الدولة وبين المجتمع المدنى بكل تصنيفاته من جمعيات أهلية غير حكومية ونقابات وأحزاب سياسية، وتستطيع أن ترصد بمنتهى السهولة أن هذا الضلع من أضلاع الدولة الثلاثة (الحكومة - القطاع الخاص - المجتمع المدنى) يعمل خارج السرب، ولا تشمله الدولة بمظلتها، بل يمكن القول إنها تتعمد تجاهله ولكن من دون إعلان.
لن أخوض فى تفاصيل لأن المؤشرات واضحة، وحديث ضعف هذه المؤسسات لا يبرر تجاهلها وإنما يؤكد ضرورة العمل على تقويتها كما حدث فى ملفى الشباب والمرأة.
إعادة صياغة العلاقة بين الدولة وبين ابنها الثالث ستعيد رسم خريطة مجتمعية هى بذاتها الخطاب الجديد المطلوب للتعامل مع المجتمع الدولى.
قطاعات المجتمع المدنى الثلاثة ليست جزءاً من الإدارة الحكومية ولا موظفين لديها، إنما هى مؤسسات مستقلة فى إطار القانون تتعاون معها فى إطار ثنائية الأداء ووحدة الهدف والتزام القانون، ومن غير ذلك سيظل خطابنا للمجتمع الدولى ضعيفاً طالما أن الفعل لم يتغير ولم يتبدل.
الخطاب المطلوب هو ميثاق جديد يقوم على اشتراك كل الأطراف بأشكال مختلفة فى خطة التنمية المطلوبة فى إطار اعتراف متبادل وإقرار بمبدأ الثنائية ورفض مفهوم التبعية.
فى لقاء الأربعاء الماضى مع لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب وتلبية لدعوة كريمة من النائب المحترم السيد علاء عابد، قال إن «بمصر 110 من رجال الشرطة فى السجون تنفيذاً لأحكام فى انتهاكات متعددة للقانون منها إدانات بالتعذيب». المشكلة من يعلم ذلك؟
الخطاب المطلوب.. فعل وأداء.. مش كلام.