(هنالك أيام فارقة فى حياة الشعوب.. أيام تصنع التاريخ.. ترى هل نمر ببعض منها أم تراها لحظات احتضار أخرى لشعب يموت..).
تلك كانت أول كلمات مقالى فى يناير 2011.. ومرت السنون فى لعبة تبادل المقاعد والاتهامات بين أصدقاء الأمس وأعدائه.. وبلا تردد من إعادة النظر ومراجعة النفس.. ومقاومة السقوط فى مستنقع الكبر (والمقاوحة) أو على النقيض الانزلاق مع تدافع القطيع.. ما زلت أحاول أن أكون شجاعة لدرجة التوقف عن الحسابات التافهة لاعتبارات البشر.. ولكن الانحياز للحقيقة المجردة من المصلحة أو الهوى.. أتذكر أحلاماً ترجمتها يومها إلى كلمات ملأت بها الدنيا صياحاً فى خضم الحدث تقودها جياد الحماسة وعربتها.. لأقف عند كل منعطف جديد يطل علينا منه أحد أوجه الحقيقة قبيح غالباً.. متجمل فى بعضها.. برىء فى قليل منها.. من زاوية رؤية تتسع بمساحات انقشاع الغيوم.. يبقى ذات السؤال ملحاً.. هى ثورة ولا مؤامرة؟.. فهل لك يا صديقى أن تبحر معى عبر طيات كلمات، كان وما زال التاريخ وصاحبة الجلالة شهوداً عليها حين نشرت فى حينها.. وظلت مشروع كتاب عصياً على الظهور للنور.. بحثاً عن تلك الغائبة الحاضرة.. إنها الحقيقة.
حان وقت الاعتذار
بتفكير «مكيافيللى» قد يجيز لصاحبه اللعب بقواعد يجيدها مع خصوم سياسيين يمارسون نفس درجات الخداع، ولكن من المؤكد أنه فى حالتنا تكونان غير أخلاقيتين لا الغاية ولا الوسيلة. فهى ليست تجاه عدو غازٍ معتدٍ بل أهل بلدك الذين أمّنوك على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
وكما يقول البسطاء (لمين أشتكى لو كان خصيمى القاضى) وقد استعان النظام بالبلطجية منذ سنوات طويلة فى بادرة عجيبة فى منظومة شرعية الفساد التى ابتكرها حتى استفحل تغلغلهم فى النظام خاصة لمقاومة الخصوم الشرفاء الذين لا يجدون لهم ثغرة قانونية لينقضوا عليهم منها، طبعاً بالإضافة لعملهم الموسمى الدائم فى الانتخابات.
وتتوالى الأحداث سريعاً، ولكن استطاع هذا الشعب رغم كل السلبيات أن يكون بشكل تلقائى كياناً منظماً.. أن يحمى بيته.. بلده.. وجوده.. بأبسط الإمكانيات.. رغم الخيانة.. رغم الثمار المرة لنظام أمنى غير عادل يعتمد -فى سابقة من نوعها- على الخارجين على القانون فى منظومة فساد فجة.. فلماذا الوصاية عليه واتخاذ قرارت نيابة عنه وكأنه محجور عليه للبلاهة؟ لماذا المزايدة على مقدراته.. وافتراض العجز وقلة الحيلة؟.. ألم يحن الوقت لأمة الريادة أن تستعيد مكانتها.. التى فقدتها شيئاً فشيئاً بدءاً من صفر المونديال.. نهاية بدورها السياسى الهزيل على الساحتين الإقليمية والعالمية.
وتترى القرارات تباعاً تتحسس رد فعل شعب يفوق وعيه الفطرى كل المناورات السياسية.. لتتحقق إرادته أخيراً.. وينتهى عصر بحلوه ومره، وإخفاقاته الكثيرة.. ليس فى شخص رئيس بل فى نظام بأكمله استطاع أن يسقط رأسه، ولنا الله فى إسقاط أذنابه.
ومهما اختلفنا فيما إذا كانت ثورة أم مؤامرة، إلا أننا لا نستطيع إنكار أن شباباً قليل الخبرة والتجربة لكنه صادق -قوبل بكثير من التشكيك من مستفيد.. متآمر.. يائس.. وأغلبية طيبة تنسى الإساءة بسرعة- استطاع أن يسجل فى التاريخ الحديث وربما القديم.. ثورة لم ترق فيها إلا دماء أبنائها الزكية وهذا أحد أسرار عبقريتها، حتى مظاهر التخريب والسلب والنهب ستظل علامة استفهام كبيرة.. للتاريخ أن يجيب عنها. يرحل النظام.. وتبيت قاهرة المعز ليلة ميلاد عصر جديد.. أظن أننى رأيت شعب مصر كله فى الشوارع يتبادلون التهانى.. فأين أولئك الآخرون لقد تبخروا وكأنهم لم يكونوا يوماً.. فهم يختبئون هناك فى ركن منا ينتظرون كعهدهم فى كل العصور.. لنعى الدرس ولا نسمح لخفافيش الظلام.. أن تزحف من جحورها.. تغتال الفجر الجديد..
لقد قدمت مصر للحضارة الإنسانية الدرس الأول فى فجر التاريخ.. ثم تأخرنا كثيراً.. كثيراً جداً.. ولكن دق الجرس وحان موعد الدرس الثانى.. انهضى يا بلدى.. لقد أهنّاك كثيراً.. وتحملت كثيراً.. وحان وقت الاعتذار.. فالوعد فى كل العيون فى كل مكان.. لن نتواكل بعد اليوم ستكون بطاقاتنا الانتخابية شهادة ميلادنا.. هويتنا.. سلاحنا الجديد.. وستعودين بثوب يليق بسيدة الدنيا من جديد..نحبك فاغفرى يا ذات القلب الكبير.