وكأنها كانت تحتاج إلى حسم!.. حسمت دار الإفتاء الجدل المثار حول فتوى الدكتور صبرى عبدالرؤوف، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بجواز جماع الرجل لزوجته بعد وفاتها. وقالت «الإفتاء»: إن جماع الرجل لزوجته بعد موتها هو فعل مجرّم شرعاً، وهو من كبائر الذنوب. الموضوع لم يكن يحتاج إلى حسم. فكل من كان له قلب أو ألقى السمع لحكم العقل لا بد أن يرفض هذا العبث. ما نحتاجه بالفعل من دار الإفتاء وغيرها من المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف، يتحدّد فى مراجعة الأحكام الغثّة والأفكار الشاذة التى تتناثر هنا وهناك داخل كتب الفقه والتراث. فالدكتور صبرى عبدالرؤوف الذى تورّط فى هذا الكلام العجيب، أستاذ للفقه المقارَن، ومؤكد أن ما ذكره ليس من عندياته، ولا من بنات فتاواه، ولا من بنين أفكاره، وإنما نقله عن بعض كتب الفقه التى تتسكع فيها الكثير من المسائل من هذا النوع، الدكتور «صبرى» لم يخترع، كل ما فعله أنه استدعى «فتوى» تعكس خبرته كأستاذ أزهرى يجيد التعامل مع وسائل الإعلام، ويعرف كيف يُلقى إليها بالكلام القادر على إشعال الجدل، وتحقيق المكاسب، بالمعنى العام لهذا اللفظ.
المطالع لأى كتاب للفقه، يجده محشواً بالكثير من المسائل شديدة الغرابة والعجب. دعنى أقدم لك نماذج على ذلك. هناك خلاف فقهى حول قول المصلى فى سجوده «سبحان الله»، فهناك من يرى قولها ثلاث مرات بالعدد، وهناك من يرى أن تُقال فى عبارة واحدة: «سبحان الله ثلاثاً»، قياساً على قول الرجل لزوجته «طالق بالثلاثة». تعالَ إلى نموذج أكثر طرافة ويتعلق بحكم تلقيح المرأة بـ«منى» الرجل بعد وفاته، وهو أمر يُنكره الكثير من الفقهاء الذين يرفضون تخزين نطف الرجل لتُستخدم بعد وفاته لانقطاع الحياة الزوجية بالموت، بما يعادل انقطاعها فى حالة «الطلاق البائن». لو أنك تأمّلت مسألة «مخزن النطف» تلك ستجد أن لها أصلاً فى كتب الفقه الموروثة، وهى إن دلت على شىء فهى تدل على حالة الفراغ التى كان يعيشها بعض الفقهاء، والرغبة الجامحة لديهم فى شغل المسلمين بمسائل تصدهم عن التفكير فى ما هو أهم وأجدى. فبعد أن انتهى بعض الفقهاء من إشباع جميع المسائل المتعلقة بالصلاة والزكاة والصيام والحج والمواريث وغيرها، وسطروا فيها آلاف الصفحات، بدأوا فى اختراع مسائل جديدة يدلون فيها بدلوهم. فى هذا السياق تستطيع أن تفهم الفتاوى الخاصة بمخزن النطف، ونكاح البهائم، ومضاجعة الزوجة الميتة، وغير ذلك.
هذه المسائل والأفكار العجيبة لا بد أن تكون موضع مراجعة وتمحيص وتنقية من جانب المؤسسات الدينية المسئولة، فهى أولى من غيرها بالقيام بهذه المهمة. وعليها وهى تراجع مراعاة أن هذه المسائل جاءت فى سياقات وظروف تاريخية معينة، كان الفقهاء والمحدثون الوعاظ والحكاءون هم «نجوم الكلام» داخل المجتمع المسلم، وأداة أجاد الخلفاء استخدامها فى إلهاء الناس، وأن بعضهم تورّط فى التأليف والخلق والانتحال والافتراء، حتى على النبى، صلى الله عليه وسلم. تنظيف كتب الفقه والتراث من مثل هذه المسائل التى ارتبطت تاريخياً بظروف معيّنة يمثل جزءاً من تحسين صورة المسلمين، وتبرئتهم من حالة «التوهان» التى يصوّرهم البعض فيها، حين يراهم هائمين بمضاجعة «الميتة»، وهتك عرض «البهائم»!.