حدث ما كان متوقعاً، وتم تنفيذ استفتاء «انفصال كردستان» عن العراق، بنسبة مشاركة تزيد على 78%، كما صرّح بذلك مسئولون أكراد. نتيجة الاستفتاء تحصيل حاصل بالطبع، وموافقة أكراد العراق على الانفصال عن الدولة الأم مسألة تكاد تكون محسومة من قبل الاستفتاء، يشهد على ذلك المظاهرات والاحتفالات المؤيدة لهذه الخطوة، التى تعانق فيها العَلم الكردى مع العَلم الإسرائيلى فى مشهد شديد الدلالة على القادم!
ثلاثة أطراف أخذت فى التحرك السريع بالتزامن مع بدء الاستفتاء، أولها الحكومة العراقية المضارة أشد الضرر من هذا الانفصال، بسبب سيطرة الأكراد على حقول نفط «كركوك»، تحركت أيضاً إيران وتركيا، بتصريحات وإجراءات على الأرض، خوفاً من رواج فكرة الانفصال بين أكراد تركيا وإيران. بعض المسئولين الأكراد يؤكدون أن الاستفتاء مجرد استطلاع رأى، وأنه لا يعنى الانفصال بل وضع أسس جديدة للعلاقة بين إقليم كردستان وحكومة بغداد. فى كل الأحوال نستطيع أن نقول إن العالم العربى ما قبل (25 سبتمبر 2017) غيره بعد هذا التاريخ. وقد ذكرت لك ذلك التعانق بين العَلمين الإسرائيلى والكردى فى إطار المظاهرات والاحتفاليات الكردية بالاستفتاء ونتائجه. وإذا كانت إسرائيل قد شكّلت عند قيامها شوكة فى ظهر العالم العربى، فسوف يشكل استفتاء الكرد «شوطة» يمكن أن تصيب العديد من الدول العربية. وهى «شوطة» ستجد دعماً لا بأس به من الدولة «الشوكة»، المتمثلة فى إسرائيل.
الشوطة تعبير عامّى يعنى انتقال عدوى وبائية بين مجموعة من المخلوقات، لتؤدى إلى هلاكهم. العرب الآن معرّضون لشوطة، فلا توجد دولة عربية تخلو من تكوينات سكانية نوعية، وأخشى أن يأتى يوم تحاول بعض هذه التكوينات أن تحذو حذو الأكراد وتفعل فعلتهم. ثمة دعوات تتزاحم داخل بعض الدول العربية، هدفها تقسيم الموحّد، عندك سوريا واليمن وليبيا. الواقعة الكردية قد تُغرى بعض التكوينات داخل هذه الدول بالدعوة للمعاملة بالمثل، وهو خطر عظيم أخشى أن يضرب المنطقة، ولا يستطيع أحد أن يغفل أن هناك إرادات غربية داعمة لمثل هذه التوجهات، ورضاء إسرائيلياً واضحاً عنها، ورغبة صريحة فى تفعيلها على الأرض.
فى تقديرى أن العرب فى حاجة للالتفات إلى هذا الخطر، وفهم النتائج السلبية التى يمكن أن تترتب عليه، واستيعاب أننا أمام «شوطة» يمكن أن تصيب الكيان العربى ككل. من العبث أن نجد تركيا وإيران تتحركان، فى وقت يسكن فيه العرب، ولا نسمع صوتاً ولا صدى من جامعة الدول العربية. كنت أظن أن الجامعة سوف تبادر للدعوة إلى قمة عربية طارئة للتعامل مع هذا الحدث الجلل، خصوصاً أن هناك قوى أخرى (إيرانية وتركية) تتحدث عن التحرك العسكرى نحو العراق، فى وقت لا تمانع فيه الحكومة العراقية نفسها فى ذلك!. أظن أنه ليس من المنطق أن يترك هذا الملف الشائك لكى يدار بمعرفة قوى من خارج الإقليم أو قوى دخيلة عليه. التحرك لا بد أن يكون سريعاً وعملياً، وهادفاً إلى حماية وحدة الدول العربية، بنفس القدر الذى يجب أن يقدم فيه حلولاً للقوميات التى تجد أن حقوقها ليست على ما يرام فى الأوساط العربية.. فلربما أوقف ذلك زحف «الشوطة».