«الطود وأرمنت الحيط».. المبانى على أراضى «آثار».. والطابور فى «الشارع»
شروخ فى حوائط الفصول
فى الصباح الباكر وقف فيها الطلاب مرتدين زيهم المدرسى، ومن أمامهم بوابة حديدية صغيرة، لا تعلوها لافتة، تفصلهم عن مبنى قديم لم يسعهم من الداخل، فاضطروا أن يقيموا طابور صباحهم فى الشارع الخارجى، فى مشهد متكرر اعتاد عليه طلاب ومعلمو مدرسة الطود الابتدائية، لما تعانيه من أزمة فى ترميم وتوسعة مبانيها الواقعة على أرض تابعة لهيئة الآثار.
المبنى من طابق وحيد، تأخذك بوابته الخارجية إلى طرقة صغيرة تطل عليها جميع حجرات المدرسة المكتظة بالطلاب، وفى منتصفها افترش معلمو المدرسة مكاناً لهم يعدون فيه موادهم العلمية التى سيقدمونها للطلاب، وعلى اليمين كانت غرفة ضيقة جلس بها مدير المدرسة وبجواره آخرون يناقشون سير العمل فى يومهم الدراسى الجديد.
«المدرسة دى كانت مبنية الأول بالطوب اللبن، لحد ما تم تجديدها سنة 1987، وعشان هى على تل أثرى، مفيش تطويرات حصلت لها تانى، وكل اللى بيتم فيها أعمال الصيانة الداخلية بس»، هكذا بدأ عبدالحميد أحمد، مدير مدرسة الطود الابتدائية، حديثه عن مدرسته التى يرجع تاريخها إلى عام 1907 ميلادية، موضحاً أن الترابط بين أفراد المدرسة، من معلمين وطلاب وأولياء أمور، هو أحد أهم أسباب بقاء المدرسة حتى الآن، حيث عرفت الجهود الذاتية طريقها إلى المدرسة منذ القدم، إلا أن أموراً أخرى كانت أكبر من مجرد الجهود الذاتية وقفت أمامهم، حيث إن «تجديد المبنى نفسه بيكون عايز موافقة من هيئة الآثار، ودى بتبقى صعبة جداً».
مدير المدرسة: «بقت ضيقة علينا.. والمواهب محتاجة مكان عصرى عشان ننميها».. ومعلم: «الترميمات لن تجدى ومحتاجين مكان جديد وطراز حديث»
مساحة المدرسة لا تتعدى 600 متر، مقسمة إلى 8 فصول، يقبع داخلها قرابة 300 طالب، إلا أن ذلك لم يمنع طلاب المدرسة من التفوق، حسب مدير المدرسة، فكثيرون دخلوا كليات القمة، وكانوا خريجى هذه المدرسة، فضلاً عن مراكز متقدمة حققتها المدرسة فى العديد من المسابقات، حيث حصلت على المركز الأول فى مسابقة «القرائية» التى أقيمت على مستوى إدارة الطود العام الماضى، كما حصل فريق كرة القدم بها على المركز الأول على جنوب الصعيد، والخامس على مستوى الجمهورية، فى واحدة من البطولات التى تنظمها إحدى الشركات، و«المواهب دى كلها محتاجة مكان وإمكانيات عشان نعرف نحافظ عليها ونكبرها، بس للأسف المدرسة ضيقة علينا وفيه معامل مفروض تبقى موجودة ومش عارفين نوفرها، ولما اتصلوا بيا عشان تسلم غرفة الحاسب الآلى رفضت عشان ملهاش مكان عندى».
أزمة أخرى تواجه «عبدالحميد» بسبب عدم توافر تقرير الحماية المدنية بالمدرسة نظراً لحالتها، وهو ما عرضه للمساءلة القانونية العام الماضى: «اتعملى محضر ورُحت النيابة، ساعتها كل الجهات المسئولة فى المستويات الأعلى منى تنصلت، وفى الآخر جبت جواب من المحافظة إن المدرسة ما فيهاش ميزانية وقدمته للنيابة».
عمليات الترميم التى أجريت فى ثمانينات القرن الماضى بمدرسة الطود الابتدائية لم تكن بشكل رسمى، حسبما قال «يوسف حسن»، معلم بالمدرسة منذ عام 1982، حيث كانت الموافقة على تجديد فصل واحد فقط، فـ«جددناها سرقة، وبقينا شغالين كلنا صبح وليل، وخلصناها كلها فى 45 يوم»، إلا أن عمليات التجديد هذه لم تستمر كثيراً، بسبب طبيعة الأرض الواقعة عليها مبانى المدرسة، فما إن نُسيت حنفية مياه مفتوحة حتى فوجئ الجميع فى صباح اليوم الثانى بحوائط المدرسة وقد ارتخت، و«اضطرينا ساعتها إننا نحمل السقف كله على عروق عشان نبنى الجدار الداخلى من تانى».
وعمليات الترميم تلك لن تجدى نفعاً، من وجهة نظر «حسن»، حيث يرى أن مدرسة الطود الابتدائية فى حاجة إلى مكان جديد يتم تشييد المبانى عليه وفق الطراز الحديث، على غرار القرى من حولهم: «كل القرى اللى حوالينا اللى كانت بتيجى عندنا الأول بقى عندهم مدارس، وإحنا المدرسة الأم لسه زى ما احنا».
«ولى أمر»: «بقالها 40 سنة على نفس حالها.. وشكلها بيخلينا نخاف على عيالنا فيها.. بس هنا مبيهتموش بالحاجة إلا لما تحصل كارثة»
مسافة قصيرة تفصل مدرسة الطود الابتدائية عن مدرسة الطود الإعدادية، التى يكمن فيها الحل، حسب ما قال «محمد محمود»، المدير السابق لمدرسة الطود الابتدائية، فهو يرى أن قرار إزالة يجب أن يصدر للمدرسة الإعدادية نظراً لمشاكل موجودة بأسقف مبانيها، ومن ثم استبدالها بمدرسة تعليم أساسى تستوعب المدرستين، رافضاً فكرة الانتقال إليها على وضعها الحالى، التى عرضت عليهم من قبل، نظراً لضيق المدرسة الأخرى، وبالتالى لن يكون أمامهم سوى العمل بنظام الفترتين، التى تُرهق الطالب، على حد قوله.
مشكلة زيادة أعداد الطلاب فى كل عام عن العام السابق له هى الأكبر من وجهة نظر «محمود»، حيث تضيق الأماكن الموجودة، سواء بالمدرسة الابتدائية أو الإعدادية على من فيها كل عام، ورغم اتباعهم أساليب لتفادى هذا الأمر، إلا أن الأمر قد يخرج عن السيطرة فيما هو مقبل: «المدرسة هنا مبقاش فيها حوش، والطوابير بتاعتنا بنعملها فى الشارع قدام باب المدرسة، وحتى حجرة المدير اتقلبت السنة دى فصل والمدير اتنقل فى حجرة المدرسات، مقابل إننا نوفر مكان للطلاب».
وأزمة الفصل الزائد تم حلها هذا العام من خلال حجرة مدير المدرسة، حسب قول «محمود»، إلا أن الأزمة ذاتها ستواجههم العام المقبل ولا يعرف كيف سيكون الحل: «مش عايزين نلجأ لطريقة الفصل الطاير لأنها بتكون صعبة جداً، عشان بيكون فيه فصل فى المدرسة مفيش مكان ليه، وبياخد الحصص بتاعته فى فترات الفراغ فى الفصول التانية».
لم يختلف الوضع كثيراً فى مدرسة «أرمنت الحيط الابتدائية المشتركة»، حيث تقع المدرسة على أرض تابعة لهيئة الآثار، الأمر الذى يعيق عمليات التطوير والتوسعة فى المدرسة، ما يؤدى إلى زيادة الكثافة فى الفصول نظراً لعدم وجود بديل، حسب ما قال أحمد حسن، وكيل المدرسة: «أنا فى المدرسة هنا من الثمانينات، ولأن مبانى المدرسة على أرض تابعة لهيئة الآثار مبنقدرش نحط طوبة أو نعمل أى تعديل فى المبانى نفسها، وكل اللى ممكن يحصل دهانات وبس، إنما أى حاجة فى الأساس منقدرش نعملها».
12 فصلاً فى المدرسة بمتوسط 55 طالباً فى كل فصل، مع وجود فترتين صباحية لمدرسة أرمنت الحيط، ومسائية لمدرسة السلام الابتدائية، الأمر الذى يزيد من الحمل على مبانى المدرسة، حسب ما قال «حسن»: «المدرسة محتاجة صيانة شاملة لكل المبانى لأنها مش معمولة على عمدان مسلحة، وفيه مرة كنا عايزين نعمل بيارة صرف صحى، قعدنا فترة كبيرة كل ما نحفر نلاقى صخور وأحجار وفى الآخر عملناها بالعافية، غير كده أنا عندى دورات المياه غير آدمية بالمرة».
ويقول على معاطى، مسئول المبانى فى إدارة أرمنت التعليمية، إن الإدارة تدرج هذه المدرسة ضمن خطة الصيانة كل عام، إلا أن هيئة الأبنية تقوم باستبعادها، فضلاً عن أن ما يتم بها من ترميم لا يتخطى تغيير ألوان الحوائط فقط، وهو ما لا يتناسب مع حالة المدرسة، حسب قوله، ومن ثم لا يمر عليه وقت حتى يعاد الحال إلى ما كان عليه.
وأمام باب المدرسة وقف يوسف أحمد، أحد أولياء الأمور، ممسكاً فى يديه أطفاله، يتحدث عن معاناته، هو وكثير من أولياء أمور طلاب مدرسة أرمنت الحيط الابتدائية: «المدرسة بقالها 40 سنة على نفس حالها ده، بس هم هنا مبيهتموش بالحاجة إلا لما تحصل كارثة، وكان فيه معهد أزهرى هنا سابوه لحد ما وقع، وبعد كده بنوه، وفضل نحو 6 سنين وهو مزبلة»، مضيفاً: «شكل المدرسة العام من بره يخلينا نخاف على عيالنا اللى فيها، وحتى يوم ما بيدهنوها بيعملوها من جوه بس، بس المدارس هنا بعيدة علينا ودى تعتبر أقرب واحدة لينا، عشان كده بنودى عيالنا فيها».