(١) رأينا فى المقال الفائت كيف حاولت قدر إمكانى إقناع المرشد «عاكف» بعدم جدوى إجراء انتخاب مكتب إرشاد جديد، وأن أى انتخابات تجرى فى ظل تلك الظروف سوف تأتى بنفس المجموعة الموجودة فعلاً.. وأن من الأفضل والأرشد أن نتجه إلى الأوضاع السيئة التى حلت بالجماعة وأن نحاول معرفة أسبابها، وبالتالى معالجتها، لكن للأسف لم أجد لمحاولاتى مع الرجل أى صدى.. لذا، أرسلت إليه رسالة مطولة أوضحت له فيها خطأ إجراء هذه الانتخابات.. والذى حدث أن الرجل استنكر أمام من كان موجوداً معه من أعضاء مكتب الإرشاد فكرة الرسالة، بل عاب على كاتب هذه السطور أن يصل الأمر بيننا إلى عدم وجود حوار، برغم أننى بذلت معه جهوداً مضنية، وفى النهاية وصلت معه إلى طريق مسدود؛ فلا منطق، ولا كلمة، ولا عهد.. وعلى أثر استنكار الرجل، جاءتنى هذه المجموعة لمعرفة الدوافع وراء هذه الرسالة، وكيف أن الحوار بينى وبين المرشد قد انقطع.. وقد شرحت لهم وجهة نظرى كاملة، وكالعادة لم أجد لديهم حلاً، وبالتالى بقى الحال على ما هو عليه.
(٢) كان لدينا اجتماع لمكتب الإرشاد فى يوم ١٠ يوليو ٢٠٠٩، وأتذكر أنه كان فى شقة الدكتور محمد مرسى بالتجمع الخامس.. بدا المرشد فى هذا الاجتماع فى عجلة من أمره، فهو يريد إجراء انتخابات تجديد للمكتب بأسرع ما يمكن، وطبقاً للتعديل اللائحى الهزيل الذى تم، وحدد لذلك نهاية شهر أكتوبر ٢٠٠٩ كتوقيت نهائى لإتمام هذا الأمر، وعلى مكتب الإرشاد أن يقوم بإعداد الإجراءات.. أراد أعضاء المكتب إثناءه عن عزمه فى عدم ترشحه لفترة ثانية، لكنه أبى بحدة، وزاد أن هدد أنه فى حالة مناقشة هذا الأمر فسوف يترك الاجتماع (كذا) وأكد أنه لن يتراجع فى قراره الذى اتخذه (!)، وأن المطلوب فى هذه الفترة هو إجراء انتخابات للمكتب (!!) وهكذا ضرب المرشد المثل فى فرض رأيه وإرادته على المكتب بهذا الشكل المؤسف والمحزن.. سوف تجد من يقدم مبررات أو حججاً لهذا السلوك، فنحن -كإخوان- لدينا ما يمكن تسميته «حزب التبرير»، وهذا الحزب ناجح تماماً فى أداء دوره، ومستعد دائماً لتقديم خدماته المناسبة ودون أن يطلب منه ذلك.. ربما نجد أمثال «حزب التبرير» هذا فى أحزاب أو جماعات أخرى أو حتى مؤسسات داخل الدولة، سواء على المستوى المركزى أو اللامركزى، وهو ما يعزز من الديكتاتورية والاستبداد.
(٣) كان كل ما استطاع الحاضرون التوصل إليه مع المرشد هو عدم التحدث فى وسائل الإعلام عن قرار عدم ترشحه لفترة ثانية إلى أن يحين الوقت الملائم، وأن يبدأوا فى مناقشة الأمر الذى أملاه وفرضه عليهم، وهو انتخابات المكتب.. ثارت عدة أسئلة: انتخاب مكتب كلى أم جزئى؟ وإذا كان انتخاباً جزئياً، فمن الذى يبقى ومن الذى تسقط عضويته؟ وكيف تسقط هذه العضوية؟ وهل هذا إجراء لائحى؟ وعلى الرغم من إصرار المرشد على إجراء انتخابات مكتب جديد (كما ذكرنا آنفاً)، إلا أننا فوجئنا به -ويا للعجب- يعرض فى هذه الجلسة خياراً أو بديلاً عن إجرائها، وهو ضم عصام العريان ومصطفى الغنيمى (السادس والسابع فى الانتخابات التكميلية التى أجريت منذ أكثر من عام) إلى مكتب الإرشاد (!!) غير أن المكتب رفض هذا الأمر، كما رفضه بشدة بعض الأعضاء من قبل حين عرضه المرشد عليهم عقب الانتخابات التكميلية مباشرة.
(٤) كان المرشد حريصاً ومصراً على تصعيد عصام العريان إلى عضوية مكتب الإرشاد، لكنه وهو يسعى لذلك لم يعتمد -للأسف- السير فى الطريق المستقيم.. لذا، حاول أن يحتال على المكتب بطرق مضحكة ومخجلة، وذلك بإلحاق مصطفى الغنيمى بالعريان لأنه يعلم عن يقين أن الأول يحظى برضاء صهره محمود عزت، أمين عام الجماعة ومن معه من أعضاء المكتب، بينما الثانى مكروه من قبلهم كراهية التحريم، ومن ثم فهم لا يريدونه مهما كان تأييد المرشد له، ومهما كان هذا حقه.. أراد المرشد أن يبدو وكأنه لا يقف فى صف العريان، حتى وإن كان يستحق ذلك.. فى هذا الاجتماع (١٠ يوليو ٢٠٠٩)، كان واضحاً أنه يريد إجراء مقايضة تصعيد الاثنين فى مقابل عدم إجراء انتخاب مكتب جديد(!!!) لكن المكتب رفض وقرر التروى، ولو لمدة شهر، حتى تنكشف الأوضاع، حيث كان هناك احتمال كبير آنذاك لإحالة القيادات التى تم إلقاء القبض عليها على خلفية «التنظيم الدولى» لمحاكمة عسكرية، هذا فضلاً عن أن عدداً لا بأس به من أعضاء مجلس الشورى العام كان موقوفاً.
(٥) ونظراً لأننا أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من انتخابات مكتب إرشاد جديد (كلياً أو جزئياً)، فقد تراءى لى أن أسعى للقاء أعضاء مجلس الشورى فى المحافظات فى محاولة لتغيير الثقافة السائدة بينهم وتعريفهم بدورهم الحقيقى فى الجماعة، وما هى المعايير التى يتم على أساسها اختيار أعضاء مكتب الإرشاد، إذ إن أغلب هؤلاء -للأسف- مغيبون وليس لهم دور، حتى إن بعضهم -كما سبق أن ذكرنا- لا يتصورون ولا يتخيلون أن يسائلوا أعضاء مكتب الإرشاد، بحجة أنهم إخوة أماثل ضحوا وما زالوا يضحون من أجل دعوتهم، ويتحملون فى سبيلها الكثير من العنت، ويحملون عنهم عبئها، فكيف يسائلونهم؟! لقد قال بعضهم: إننا نثق فى أعضاء مكتب الإرشاد ونقدرهم ونجلهم ونحترمهم ونضعهم على رؤوسنا، وما علينا إلا أن نأتمر بأوامرهم وننفذ تعليماتهم (!!) لقد أريد لهؤلاء ألا يتعرفوا على حقوقهم وواجباتهم، وألا ينهضوا لحمل المهمة الثقيلة التى نيطت بهم.. وتحت مبرر وطأة الهواجس والمحاذير الأمنية والظروف والأوضاع الاستثنائية، حيل بينهم وبين ما يجب أن يقوموا به من مسئوليات تشريعية ورقابية واعتماد للسياسات والتوجيهات العامة للجماعة طبقاً لما تنص عليه اللائحة.. ومن أسف أن أقول إننى حينما طلبت من أعضاء المكتب المشرفين على القطاعات أن يرتبوا لى لقاءات مع أعضاء مجلس الشورى العام، كل فى قطاعه، تلكأوا وتعللوا بأعذار هزلية ومبررات مضحكة.. لم أكن متصوراً -ولو للحظة- أن يكون ذلك مقصوداً.. لقد كنت أحسن الظن بالجميع، وكنت أعزى الممارسات السلبية التى تقع من البعض إلى الضعف البشرى الذى لا يخلو منه إنسان.. لكن ما كشفت عنه الأحداث بعد ذلك صدمنى وأذهلنى، ولله فى خلقه شئون.. (وللحديث بقية إن شاء الله).