للنجم الرائع أحمد حلمى فيلم سينمائى «1000 مبروك» تكاد تتطابق فكرته التى قامت عليها مشاهده مع ما نعيشه نحن المواطنين من أحداث يومية.. وتدور أحداث الفيلم -لمن لم يشاهده- حول شخص يعانى كل ليلة من «كابوس» ينتهى دائماً بموته بصورة مختلفة، ويستيقظ كل صباح ليجد أنه يعيش نفس اليوم الذى قضاه أمس، حيث يعيد اليوم تكرار نفسه بذات الأحداث بمعنى أنه يجد نفسه محاصراً فى يوم واحد فقط من حياته لا يستطيع الفرار منه.
مشهدان فقط هما اللذان يفرقان الفيلم عما نعيشه -والأصح أن نقول ما نعانيه- من أحداث.. الأول: أن البطل يواجه يومياً «كابوساً» مزعجاً تتحقق أحداثه يومياً، بينما نحن نعانى من ذلك الكابوس أسبوعياً ويتحقق تحديداً يوم الخميس.. الثانى: إننا لم نقدم -حتى الآن- على ما أقدم عليه البطل فى نهاية الفيلم، إذ قرر أن يتخلص من حياته بسبب ما يعانيه كل ليلة، رغم أن البعض منا قد أقدم بالفعل على ذلك، إلا أن هذا الأمر لم يصل إلى حد أن يشكل «ظاهرة» لافتة للنظر «حتى الآن».
ما نلاحظه نحن المواطنين أن الحكومة تترقب يوم الخميس لتعلن مفاجآتها غير السارة لنا.. تعويم الجنيه.. رفع التعريفة الجمركية على السلع المستوردة.. زيادة تذكرة مترو الأنفاق والمواصلات.. البنزين والسولار والغاز والبوتاجاز.. الكهرباء.. الدواء.. ضريبة القيمة المضافة.. مياه الشرب.. وأخيراً وليس آخراً كروت شحن الموبايل.. ولم يعد الأمر خافياً على المواطن، إذ إنه يعلم تماماً أن اختيار الحكومة لساعة الصفر هذه يرجع إلى أنها يعقبها يوما الإجازة الأسبوعية «الجمعة والسبت فى العديد من المواقع»، ليصبح المواطن فى يوم الأحد أكثر هدوءاً ومتقبلاً الأمر الواقع، إلى درجة أن يوم الخميس أصبح مصدراً للرعب عند غير قليلين.!
وإذا كنا قد تقبلنا فى الفترات السابقة تلك الحزمة من الإجراءات المريرة، لا لشىء سوى لقناعتنا بأنها مجرد خطوات على طريق الإصلاح الاقتصادى الذى ننشده جميعاً ليقيننا بأن هذه الأموال التى جرى استقطاعها من دخول المواطنين ستذهب إلى موازنة الدولة، وبالتالى سترد إلينا فى صورة طريق أو علاج أو خدمات أخرى، إلا أننا لا نجد أى مبرر لتلك الزيادة فى كروت شحن الموبايل، إذ إن ملايين الجنيهات التى ستصب فى خزائن شركات الاتصالات وتلك المليارات التى تحققها هذه الشركات سنوياً لن تعود إلى المواطن فى أى صورة من الصور بل سيجرى تحويلها إلى الخارج، وفق ما اعتادت عليه هذه الشركات.
المنطق يؤكد أن يتحمل المواطن تكلفة خدمة يحصل عليها أو يسدد ثمن سلعة يشتريها فهذا شىء طبيعى ومنطقى، بشرط أن يحصل بالفعل على هذه السلعة أو الخدمة بصورة جيدة، وألا تكون هناك مغالاة فى تحديد قيمتها..!
أما أن يسعى البعض بما يمتلكه من أدوات إجبار لإرغامه على سداد أضعاف سعر السلعة فجأة ودون أية مقدمات فهذا يسمى ابتزازاً يتحول إلى نوع من البلطجة، إذا كان هذا المواطن يحصل على تلك السلعة أو الخدمة بصورة منقوصة!!
وما أقدمت على تنفيذه أخيراً هذه الشركات يندرج تحت هذا التعبير «بلطجة أو ابتزاز»، إذ أقدمت بدم بارد على إنقاص قيمة كارت الشحن بنسبة 36% دفعة واحدة فى الوقت الذى يُعد فيه ما تقدمه من خدمات هو «الأسوأ» بصورة مطلقة.. وأتحدى أن يستطيع أحد أن يُكمل مكالمة لمدة 7 أو 10 دقائق متصلة إذ سيفاجأ بإنهاء المكالمة كل دقيقة ونصف أو دقيقتين، ليكتشف فى النهاية أنه أجرى 4 أو 5 مكالمات فى نفس اللحظة.. إضافة إلى غياب الصوت أو يصاب بالصمم نتيجة تلك «الخروشة» المزعجة التى تتقاطع دائماً طوال المكالمة.. وغياب الشبكات فى مناطق عديدة.!
وعلى الرغم من أن هناك مجلساً للنواب يلزمه الدستور بمناقشة كل ما يهم المواطن، إلا أن شركات الاتصالات قد منحت نفسها الحق فى تطبيق هذه الزيادات دون الرجوع إلى الجهة المفترض فيها تمثيل الشعب «مجلس النواب»!!.
وفى إطار عملية خداع المواطن فقد بشرنا جهاز الاتصالات «وهو جهة حكومية» بأنه نجح فى إجبار هذه الشركات على الاكتفاء بتلك الزيادة «36%» فقط، إذ كانت تخطط لأن تكون 50% وهو ما اعتبره إنجازاً يحسب له.. «تصفيق حاد»..!
وعلى الرغم من أن الحكومة الحالية قد اختارت محاربة الفقر فى مقدمة أولويات قضاياها كما يتشدق دائماً وزراؤها.. وعلى الرغم من توجيهات القيادة السياسية المتلاحقة للحكومة بضرورة مراعاة محدودى الدخل وعدم فرض أية زيادات جديدة على الأسعار، فإن واقع الحال يكشف عن أن المسئولين بالحكومة وشركات الاتصالات ربما أصيبوا جميعاً بـ«الصمم»، وأصبحوا غير قادرين على سماع صرخات المواطنين الذين أصبحوا «معدومى الدخل» بسبب تلك الموجات المتلاحقة من زيادة أسعار جميع السلع كما لو كان ينقصهم تخفيض قيمة «كروت الشحن» أو أن الرحمة بالمواطن قد أصبحت «مرفوعة دائماً من الخدمة»!!.
وحتى نكون منصفين فإن سوء استخدام شريحة كبرى منا لخدمات المحمول باعتبارها متاحة وبالتالى تحميل ميزانية المواطن بأثقال جديدة، إلا أن ذلك لا يبرر جشع الشركات وابتزاز المواطنين..!
فى إطار مفاجآت الحكومة «السارة» فقد كشفت وثيقة حكومية نشرتها وزارة المالية على موقعها الإلكترونى باسم «الإصدار الرابع من موازنة المواطن»، أنها تستهدف «مراجعة المعاملة الضريبية للسجائر والدخان» بما يحقق حصيلة إضافية بنحو 7 مليارات جنيه بنسبة 0.2% من الناتج المحلى الإجمالى فى السنة المالية الحالية 2017-2018 التى تنتهى فى 30 يونيو المقبل.. وربما تنتظر الحكومة يوم «خميس مقبل» لتفاجئنا بهذا القرار.
يبدو أنه لم يعد أمام المواطن سوى العودة مرة أخرى ليشاهد فيلم «1000 مبروك» فربما يقتنع بما أقدم عليه «حلمى» فى نهاية الفيلم ليتخلص من «كابوس الخميس»..!