قررت الولايات المتحدة الأمريكية رفع مجموعة من العقوبات الاقتصادية التى سبق أن فرضتها على دولة السودان. برر «ترامب» هذه الخطوة بالتحسن الذى لاحظته الإدارة الأمريكية فى ملف حقوق الإنسان بالسودان، بالإضافة إلى جهود النظام هناك فى محاربة الإرهاب. موقف وكلام «الأمريكان» يبدو غريباً بعض الشىء، فقد ذكرت لك غير مرة أن الولايات المتحدة لا تهتم بموضوع حقوق الإنسان إلا كورقة تلاعب بها حكومات العالم الثالث، وأن نظرتها إلى هذا الملف لا تعرف التوازن، فهى إما تركز على التراجع أو على التحسن، بناء على موقفها من الدولة، ورغبتها فى الضغط أو عدم الضغط عليها. والواضح أن الولايات المتحدة راضية هذه الأيام عن نظام الحكم فى السودان. وفى كل الأحوال من المرجح أن هناك مصلحة ما للولايات المتحدة الأمريكية فى إرضاء النظام السودانى هذه الأيام.
تزامن القرار الأمريكى الخاص بالسودان مع بيان أصدرته وزارة الدفاع الأمريكية أعربت فيه عن قلقها من الاهتمام الذى يبديه عدد من حلفاء الولايات المتحدة بمنظومات «إس - 400» الصاروخية الروسية للدفاع الجوى. جاء ذلك على هامش الحديث المتواتر عن إقدام المملكة العربية السعودية على شراء صفقة صواريخ «إس 400» الروسية على هامش زيارة العاهل السعودى لروسيا. العلاقات الأمريكية السعودية تمتاز بمتانتها وقوتها، لكن يبدو أن المملكة تبحث أيضاً عن دعم روسى موازٍ لها. والأداة المتعارف عليها فى هذا السياق هى شراء الأسلحة. أمريكا تريد الشراء منها فقط، إعمالاً لتوجهات «ترامب» التى تقوم على محاولة حل المشاكل الاقتصادية. ومن المعلوم أن شراء الأسلحة من الأدوات القادرة على إنعاش الاقتصاد الأمريكى. فى هذا السياق يأتى البيان. فى السياق نفسه يمكنك أن تقرأ أيضاً القرار الذى اتخذته الأمم المتحدة مؤخراً بإدراج التحالف العربى الذى تقوده المملكة فى اليمن على القائمة السوداء، بسبب دوره فى قتل أطفال، وهو ما ينطبق أيضاً على الطرف الآخر لحرب اليمن، والمتمثل فى الحوثيين والرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح. وقد ردت المملكة على هذا التعنت الأمريكى بصفقة صواريخ جديدة أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية يوم السبت الماضى إبرامها مع المملكة، تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار!
«ماما أمريكا» تتحرك فى المنطقة بمجموعة من الأوراق التى يحكمها أمران، الأول المصلحة المباشرة للإدارة الأمريكية، والثانى المصلحة غير المباشرة التى يمكن أن تعود على دولة إسرائيل. إسرائيل لديها حضور قوى -كما تعلم- فى أفريقيا، وإقدام الولايات المتحدة الأمريكية على رفع العقوبات الاقتصادية عن «نظام البشير» يعنى ببساطة رضاء إسرائيلياً -له أسبابه- عن هذا النظام، كذلك الموقف من صفقة الأسلحة السعودية الروسية، الذى يجد ترجمته فى المصلحة الأمريكية المباشرة التى تحرص على توسيع مبيعاتها من الأسلحة فى منطقة الشرق الأوسط، ويجد صداه أيضاً لدى صانع القرار الإسرائيلى الذى ينتابه القلق من أىّ إضافة إلى ترسانة السلاح داخل الدول العربية، والأخطر ما تتحسب له إسرائيل من أن يؤدى التقارب السعودى الروسى إلى حل حاسم للمشكلة السورية، يترجم رغبة المملكة فى رفع الحماية الروسية عن نظام بشار الأسد. ومن المؤكد أن إسرائيل هى أكبر مستفيد من تخريب سوريا، وأىّ دولة عربية أخرى، يشهد على ذلك دعمها المعلن لأكراد العراق.