لا أظن أن مصرياً واحداً لم يسعد سعادة غامرة بعد صعودنا لكأس العالم إلا المصرى المنتمى للإخوان فى مشهد من انهيار القيم والأخلاق وغياب الشعور الوطنى والشذوذ عن إحساس ومشاعر وعواطف المجتمع، وحجتهم فى ذلك ما قاله عز الدين دويدار من قبل: «إن مصلحة مصر أصبحت تتعارض مع مصلحة منتخب مصر، شجع الخصم»، لقد عاقب الإخوان أسرهم عقاباً شديداً حين حرموهم من لحظة الشعور بفرحة عارمة عامة شعر بها كل مصرى!! لأن مشاعر الجماعة اصطدمت وتناقضت مع المشاعر الطبيعية اللاشعورية لكل مصرى، صحيح أن الكرة ليست مقياساً للوطنية، وصحيح أنه يوجد عدد لا يتابع الكرة، وبالتالى فلا يبالى بفرح أو حزن، لكن الأمر هنا مختلف، لأن شعور الإخوان كان شعوراً شديداً وحاداً بالحزن والكآبة والغضب، وكانت ليلة حزينة مؤلمة عليهم، دلت على مدى الانحطاط الشعورى والنفسى لديهم، تخيل عشرات الملايين يقولون يااااارب وفِّقْ فى ضربة الجزاء، وآلاف الإخوان يقولون يااااارب لا توفق!!، فإذا بالله يخذلهم ويوفق.
ويزيد شذوذهم حين يخرجون بعد صعود مصر ليحدثوك عن أن الكرة ملهاة للشعوب الإسلامية، مع أنهم اعتبروا استضافة «قطر» لكأس العالم انتصاراً للإسلام، وهكذا فإن استضافة «قطر» لكأس العالم انتصار للإسلام، ومجرد صعود مصر لكأس العالم ضياع للإسلام!! وفى قناة «مكملين» يقول الإخوانى المستشار «أيمن الوردانى» إن الدول التى تصعد لكأس العالم هى أكثر الدول استبداداً وفقراً، وها هى صدمة فرح المصريين تنسيه أن اليابان وأمريكا وألمانيا صعدت لكأس العالم.. إنه الخلل، وغياب العقل، والشرخ النفسى حين يصيب صاحبه.
لم يقل منصف إن فوز مصر يمثل إنجازاً تاريخياً غير مسبوق للحكومة المصرية، فقد فازت مصر بالعديد من البطولات الأفريقية ووصلت نهائيات كأس العالم من قبل، ولم يقل أحد يعد هذا من إنجازات «مبارك». نعم للمصريين أن يفرحوا بهذا الفوز، وبالحضور الجماهيرى الأنيق، والتنظيم الرائع، كما أن مشاهدة المباراة على قناة «أون سبورت» بدلاً من «بن سبورت» القطرية فيها دلالة لا تخفى.
لقد كان فوز مصر بعد ولادة فخراً للقيادة السياسية وللشعب كله، وانتصاراً له أثر أبعد من كرة القدم، والطبيعى تكريم المنتخب من القيادة السياسية، وفوق ذلك تكريمهم الأكبر من الشعب نفسه، ولم يقل أحد إنه انتصار سياسى بمفهوم الإخوان المختل، فقد تنجح دولة فى الكرة وهى فاشلة فى التنمية والعمران، وقد تفشل فى الكرة وهى ناجحة فيهما، وقد تنجح فيهما، وقد تفشل فيهما.
لقد كانت الأندية المصرية قلعة ضد المحتل الأجنبى، وكان الأهلى قلعة وطنية منذ نشأته عام ١٩٠٧م، شهد بذلك سعد زغلول، واستمد الأهلى لون فانلته الحمراء من علم مصر بتصميم شريف صبرى عام ١٩١٧، وشارك فى كل معارك مصر، وسقط عدد من شهدائه فى فلسطين عام ١٩٤٨، وعندما أحرز الأهلى كأس مصر عام ١٩٢٣ خرجت الجماهير فى تظاهرة بالكأس أمام معسكرات الإنجليز فى قصر النيل، كما أن الزمالك أسسه أجانب عام ١٩١١م، لكنه صار نادياً مصرياً خالصاً له إسهاماته الكبيرة فى الحركة الوطنية المصرية، بل إن العداء بين أندية الأقاليم (خاصة الإسماعيلى والمصرى البورسعيدى) سببه أن أندية الأقاليم اضطلعت بدور وطنى فى مقاومة المحتل، فترسخ عندها الانتصار الدائم، فأبت إلا التحدى أمام الأهلى، والتوافق مع خصمه الزمالك، وانتهى الأمر فى النهاية بأن باتت كل الأندية المصرية وطنية خالصة، وفيها أندية المؤسسات والشركات مثل: المصنع الحربى، والسكة الحديد، وإنبى، والمقاولون، والمحلة، وكلها من داخل محاضن الدولة المصرية الخالصة، وبالتالى فإن منتخب مصر يتكون من أبناء الوطن المحبين لترابه، وبات تشجيع خصمهم والغضب لفوزهم، والفرح لهزيمتهم مرضاً نفسياً قبل أن يكون انحطاطاً أخلاقياً.