تقديم الأموال نقداً لرشوة المسئولين فى الدول من أجل شراء مواقف وأصوات الدول ظاهرة معروفة فى العلاقات الدولية، وعادة ما تلجأ الدول إلى تقديم الأموال نقداً للمسئولين الأجانب من مختلف المستويات، حسب مقتضى الحال، فهناك مواقف تتعلق على سبيل المثال بتصويت الدولة فى المنظمات الإقليمية والدولية، وهى مواقف تقتضى تقديم الرشوة إلى أعلى المستويات فى الدولة قد تصل إلى الرئيس، رئيس الحكومة أو وزير الخارجية، وتحديداً فى حالات التصويت فى مجلس الأمن الدولى أو المنظمات الرئيسية التابعة للأمم المتحدة، وأحياناً يترك الأمر لمندوب الدولة فى المنظمة المعنية، لا سيما فى حال عدم اهتمام الدولة بالموضوع المطروح للتصويت. وظاهرة الرشوة بالمال الكاش ظاهرة تمارسها كل دول العالم، بدأتها الدول الكبرى لا سيما فى مرحلة الحرب خاصة فى مرحلة الحرب الباردة، ومارستها وتمارسها غالبية دول العالم الغنية والفقيرة، وإن ظلت الدول الكبرى ودول العالم الثالث الغنية الأكثر ممارسة لهذه الدبلوماسية، والحقيقة أن دول العالم الثالث الغنية هى الأكثر ممارسة لهذه الوسيلة التى نطلق عليها تجاوزاً دبلوماسية، فدول العالم الثالث المتخلفة، التى تملك أموالاً من ثروات طبيعية تستخرج من باطن الأرض تريد ممارسة أدوار وتقلد مناصب هى غير مؤهلة لها، أو تريد شراء النفوذ بالمال، ومن ثم تقدم رشاوى للمسئولين تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات فى بعض الأحيان، نتذكر جميعاً أن الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى كان يشترى أصوات دول كثيرة فى منظمة الوحدة الأفريقية، وكان يوجه أصواتها فى الانتخابات كيفما شاء وكانت الرشاوى المالية تقدم إلى أعلى مستويات فى الدول الأفريقية، لا سيما الأكثر فقراً وفساداً منها، أيضاً نتذكر جميعاً القصة التى أثيرت حول فوز قطر بتنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 على حساب دول كبرى وقوى رئيسية فى عالم كرة القدم، والجميع يعلم أن قطر دفعت عشرات الملايين من الدولارات لشراء ذمم مندوبى الدول، وربما مسئوليها الكبار، وحدث تواطؤ غريب وصمت عن فوز قطر بهذه التظاهرة الكروية العالمية التى تتكرر كل أربع سنوات، رغم رائحة الفساد التى كانت تزكم الأنوف، وقد أثيرت القضية لاحقاً وأطيح برأس الاتحاد الدولى لكرة القدم وعدد من المسئولين، منهم لاعبون كبار، مثل الفرنسى ميشيل بلاتينى فى قضايا فساد.
أكتب ذلك بعد إعلان نتائج الجولة لانتخاب أمين عام منظمة اليونيسكو، المنظمة الدولية للثقافة والعلوم، التى أسفرت عن تقدم المرشح القطرى للسباق بالحصول على تسعة عشر صوتاً متفوقاً على المرشحتين الفرنسية (13 صوتاً)، والمصرية السفيرة مشيرة خطاب التى حصلت على أحد عشر صوتاً. النتيجة صادمة، فمن هى قطر التى تتقدم سباق انتخابات أمين عام منظمة الثقافة العلوم التابعة للأمم المتحدة، ما وزن قطر وإسهامها فى ثقافة وعلوم العالم حتى تتقدم على مرشحى فرنسا، مصر، الصين، ولبنان؟
طبعاً لا يعنى ذلك أن المرشح القطرى سوف يفوز فى جولات الإعادة، ولكن نتائج الجولة الأولى تكشف لنا بوضوح كيف يلعب المال دوراً فى العلاقات الدولية، شراء مواقف دول ومندوبيها، وشراء مواقع دولية مهمة مثل منصب أمين عام منظمة اليونيسكو، لكن ليس بالمال وحده تحقق الدول الإنجاز وتقاس قوتها، بل بالقدرة الشاملة ومن بينها ما تملك من قوة ناعمة، فالمال يمكن أن يشترى ذمم بشر لتنظيم مسابقة دولية أو السطو على منصب دولى مرموق عبر رشوة دول صغيرة فقيرة وشراء أصواتها، ولكنه أبداً لا يصنع دوراً ولا مكانة لا سيما إذا كان حاصل خراج الأرض فقط دون منظومة شاملة للتقدم والتطور.