وماذا بعد الوصول إلى ما فوق المائة مليون بحسب التعداد الأخير، هل تتوقف الدولة لتعرف منذ متى تقوم بحملات لتنظيم الأسرة أو تحديد النسل، فمنذ ما يقرب من ستين عاماً أطلقت الدولة حملات مختلفة للحد من الزيادة السكانية، ولكن هل أى حملة من أى عهد من العهود تمت بنجاح أو حققت مجرد الحد بعد الأدنى من الأخير؟ التعداد الأخير يجيب، لقد بدأنا حملات التوعية ونحن 25 مليوناً فقط ولم تنجح أى حملة والسؤال، ما بين أول حملة وآخر حملة هل تغير أسلوب هذه الحملات فى التوعية وفى الرسالة وفى أسلوب التوصيل، الإجابة واضحة وساطعة بالنفى، وهل أى حملة مقبلة سوف يكتب لها النجاح، الإجابة المؤكدة لا، فالمشكلة ليست فى الحملات إنما فى طريقة التعاطى مع قضية الزيادة السكانية، ومهما كانت عبقرية من يقوم بهذه الحملات الإعلامية فلن يستطيع الوصول بنتائج إيجابية لأننا نتعاطى مع هذه القضية بطريقة خاطئة تماماً، وبداية لا بد أن نسقط من حساباتنا أن الوعظ والإرشاد الدينى سيأتى بأى نتيجة، فعدد كبير من الناس من لم يعد يكترث لاستخدام هذا الخطاب نتيجة لاستهلاكه فى نواحٍ وقضايا كثيرة، والمؤكد أنه فقد تأثيره بالإضافة إلى أن استخدامه كان فى غاية التعاسة وسوء الفهم، فحتى عندما كانت ثقة الناس كبيرة فى كل خطاب دينى إلا أنه عندما استخدمت حملات تنظيم الأسرة الأولى فى الستينات وأوائل السبعينات حديثاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام (جهد البلاء كثرة العيال مع قلة الشىء) ووضعته على واجهاتها فى جميع القرى والنجوع بطول مصر وعرضها فى لوحة أنيقة ووقورة رُسم فيها أسرة صغيرة من أب وأم وطفلين فإن الناس لم يستوعبوا هذا الحديث لبلاغته ولم يؤثر فيهم، بينما كان ما يتردد على ألسنتنهم حديث آخر، تناسلوا تكاثروا، وفى بداية الثمانينات كانت أشهر حملات تنظيم الأسرة وشارك فيها عدد كبير من النجوم وقتها، واشتهرت منها أغنية حسنين ومحمدين ولكن الناس حفظت الأغنية وتم غناؤها فى الأفراح ولم يتذكروا أبداً الهدف منها، وبالتالى كان الفشل هو النتيجة الواقعية، إذن الدولة عليها أن تدرك أنها تتعاطى مع هذا الموضوع بأخطاء متوالية، وأنها تكرر أخطاءها بطرق مختلفة، وعليها إيجاد أفكار وطرق جديدة واقعية وبها مصداقية تطرح من خلالها الأخطار والأضرار التى تقع على الناس من هذه الكارثة، وعليها أن تدرك أن العقلية المتصلبة لا بد أن تدرك المصلحة التى سوف تعود عليها لو نفذت ما تطلبه الدولة منها، الأخطار والمصلحة ثنائية ترتبط ببعضها البعض ولا بد أن تبدأ الدولة بقوانين واضحة تنص على أنها غير مسئولة عن مواليد ما بعد الطفل الثالث، بداية من التطعيمات مروراً بأى نوع من أنواع العلاج وانتهاء بكافة أشكال الخدمات بصرف النظر عن مستواها، وهنا سيدرك الأب أنه سيتحمل مالا يطيقه فى الإنفاق، وسيدرك أن الدولة تحمل عنه العبء الكثير، على أن تطبق هذه القوانين منذ صدورها وليست بأثر رجعى وفى المقابل لا بد أن يكون هناك نوعيات خدمات حقيقية ومتميزة تحصل عليها الأسرة قليلة العدد فى الصحة والتعليم وبيوت وقصور الثقافة والنوادى ومراكز الشباب وحتى المواصلات والرسوم الخاصة بالأوراق الحكومية، ومؤكد أن مثل هذه القوانين تمثل رادعاً سوف يؤتى بثماره فى وقت ليس بالكثير، وعلى الدولة أن تقدم خطاباً مختلفاً لتوعية الناس بعيداً عن الخطاب الدينى المعتاد، فلا بد أن يكون هناك خطاب اجتماعى ثقافى عبر الإعلام يركز على أن عدد السكان الكبير من الممكن أن يكون قوة إضافة أو قوة خصم، فالناس كلما استمعت إلى أن العدد الكبير قنبلة موقوتة يركبها العناد وتقع فى غرام عناد الحكومة، ولكن الخطاب لا بد أن يظهر كيف تكون الموارد البشرية قوة إضافة، وحتى تكون ميزة عظيمة وحتى لا تكون عبئاً فالزيادة البشرية إذا كان لديها تعليم جيد وصحة جيدة وسليمة نفسياً وليست فريسة أمراض الانحرافات الأخلاقية والجرائم وإدمان المخدرات، لو أن العناصر البشرية تتمتع بجودة وقوة فهى بالتأكيد إضافة لأى دولة وطاقات بناء كبيرة والعكس صحيح، فلو أن الطاقة البشرية مريضة أو جاهلة فبالضرورة ستكون عبئاً على المجتمع وعلى الدولة وعلى أسرهم وستكون رقم إضافياً فى أعداد المتعطلين، فعدم التوازن بين عدد السكان والموارد والخدمات يعنى قائمة أمراض كثيرة، انتقام اجتماعى واهتزاز واختلال نحمله جميعاً، ومن حسن الحظ أننا دولة شابة، نسبة السكان منذ سن الطفولة حتى الأربعين هى النسبة الكاسحة، وبالتالى فهم المستفيدون بهذه الحملات وهذه السياسة لو أدركوا الأخطار ولمسوا المصلحة فسيملكون القدرة على تغيير تركيبة المجتمع، المفاهيم والأفكار الجيدة هى التى ترفعنا حين تعجز أجنحتنا عن تذكر كيفية التحليق.