تحرص المواثيق الدولية والدساتير الوطنية على حماية حرية العقيدة، فوفقاً للمادة 64 الفقرة الأولى من الدستور المصرى لعام 2014م «حرية الاعتقاد مطلقة». وتحرص المواثيق الدولية والدساتير الوطنية على كفالة حرية التعبير، فوفقاً للمادة 65 من الدستور المصرى «حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر».
ومع ذلك، وإذا كانت المواثيق الدولية والدساتير الوطنية تكفلان حرية الاعتقاد وحرية التعبير، فإن هذه الحرية أو تلك لا تسمح بالتعدى على الأديان الأخرى. وتطبيقاً لذلك، وفى حكمها الصادر فى 27 يناير 1941م، قضت محكمة النقض المصرية بأنه «وإن كانت حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضى الدستور فإن هذا لا يبيح لمن يجادل فى أصل دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه. فإذا ما تبين أنه إنما كان يبتغى بالجدل الذى أثاره المساس بحرمة الدين والسخرية منه، فليس له أن يحتمى من ذلك بحرية الاعتقاد». كذلك، قضى بأن «الحد الذى يجب أن نقف عنده عند المساجلة والنقاش فى المسائل الدينية هو ما دون الامتهان والازدراء، وكل ما من شأنه أن يحط قدر الدين ويسقط من كرامته وكل ما يتسع له لفظ التعدى الذى استعمله المشرع. وليست الإهانة جزءاً لا يتجزأ من حرية المناقشة العلمية أو الفلسفية، إذ إن ميزة هذه المناقشة التى تتميز بها وطابعها الذى تعرف به هو أن تكون رزينة محتشمة، أما السباب والتحقير واللدد والشطط فى الخصومة فلا تتصل بالمناقشة الكريمة ولا تؤدى لها أى خدمة بل على العكس تعقد سبيلها وتقلبها من وسيلة إقناع واقتناع إلى ساحة خصومة وذريعة هياج وسبب لإثارة الخواطر. فليس إذاً لمن توسل بما وصل إلى حد التعدى أن يتذرع بتلك الحرية ولا أن يتحمل بالرغبة فى البحث العلمى لأن التعدى يثير المسائل ولا يقدم البحث خطوة بل هو يجعل طريقه مظلماً بما يثيره فى النفوس من نار الغضب والتعصب. فإذا كان الكاتب قد ألقى على الشريعة الإسلامية تبعة الفوضى الأخلاقية من خلاعة ومجون وتغزل بالغلمان وتسابق على انتهاك الحرمات وشرب الخمر وأنها أباحت الزنا، وادعى أن الإسلام كان سبباً فى انحطاط الشرق، كان متعدياً على الدين الإسلامى خليقاً بالعقاب عملاً بالمادتين 160 و161 من قانون العقوبات».
أما المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فتذهب إلى تنحية مسألة حماية المشاعر الدينية عندما يكون التعبير فى إطار النقاش العام الديمقراطى للأفكار التى تتناول مسائل تهم المجتمع، وترى أنه يجب أن يسود روح التسامح وأن يُتقبل رفض البعض لمعتقدات الآخرين، وهذا كله مع التزام الدولة بتأكيد حرصها على الحق فى التمتع الآمن بحرية الديانة وهى حرية الفرد فى ممارسة معتقداته. وعندئذ يمكن لجميع المعتقدات أن تعبر عن نفسها بل تتواجه على أن يكون ذلك بروح من التسامح المتبادل. ويتفق بعض الفقه الفرنسى مع هذا القضاء، مشيراً إلى أن حساسية أصحاب العقيدة تودى ببعضهم إلى أن يكون لهم رد فعل أقل ما يقال عنه إنه يجافى روح التسامح، وأن ذلك يعوق ممارسة الحرية التى هى أمر أساسى بالنسبة للحياة الديمقراطية ولحرية التعبير على حد سواء، وما تحتمه التعددية والتسامح والتفكير المتفتح التى لا يمكن أن يقوم دونهما المجتمع الديمقراطى. ومن الضرورى أن يتناسب أى قيد يفرض فى هذا المجال مع الهدف المطلوب بلوغه. وينطبق هذا المبدأ فى مجال العقيدة الدينية، بحيث لا يكون النقد فى حد ذاته هو المستهدف، النقد الذى لا يكون أحد بمنأى عنه، وإنما تجاوزاته؛ «فالذين يختارون ممارسة حرية إظهار عقيدتهم الدينية لا بد من أن يتحملوا ويقبلوا رفض الغير لعقائدهم الدينية وحتى قيام الآخرين بنشر معتقدات معادية لما يؤمنون به». ومن الطبيعى فى نظام قانونى يسوده مبدأ العلمانية أن تكون القاعدة العامة هى الحيادية، وبالتالى المساواة بين كافة التطلعات الدينية، وأن يستتبع ذلك أن يعترف بالخصوصيات الدينية الفردية والشعور بالهوية المترتبة على ذلك، وفى المقابل يكون من العسير قبول تطبيق معاهدة جماعية تقوم على الانتماء إلى طائفة لأنه سينجم عن ذلك انحرافات خطيرة، من بينها الانغلاق على الذات الذى يكون مصدر الرقى فيه هو الأيديولوجية التى تتبناها هذه الطائفة.. وللحديث بقية.