كانت ولا تزال قضايا التحرش مشكلة كبيرة تحميها أسوار من الأسلاك الشائكة التي كونتها الثقافات البشرية المتراكمة تباعا، وعلى اختلاف مجتمعاتها المتناثرة في الكرة الأرضية، بدءًا من جماعات "الاسكيمو" في القطب الشمالي مرورا ببلاد الحرية والشهرة وختاما وليس خاتمة بأفريقيا أرض الدماء والماس، لم تختلف النفس البشرية كثيرا باختلاف البلدان والمستويات الاجتماعية ولون البشرة، الجميع يكون على قلب رجل واحد في الغريزة، حتى وإن كانت شاذة وغير مقبولة في جميع الحالات، وهنا ينحاز الجميع إلى بني جنسه في محاولة الهروب من المسؤولية وإيجاد مبررات اعتاد الطرفين علي تكرراها في مثل هذه الحالات دون البحث عن حل جديد بدلا من إلقاء اللوم على المجتمع والثقافة.
ولعل خير مثال على أن التحرش لا يرتبط بطبقة أو مستوى معين بل تجاوز أساتذة الجامعات بل تطور الأمر إلى حيث وصل لذروته في قضية "هارفي واينستين" أحد كبار منتجي هوليوود، بعد أن كتبت إحدي العاملات معه عن محاولته التحرش بها وفي تطور كبير للأحداث اعترفت أكثر من فنانة شهيرة بما كان يحدث منه في الماضي قبل وصولهن إلى قمة الشهرة والمجد.
ربما قد يعتبره البعض انتصارا لحقوق كل من تعرضن للتحرش على يده، ولكن هناك الكثير من التساؤلات التي يجب علينا محاولة الإجابة عليها وإيجاد تحليل مناسب لها، خاصة بعد أن اعتراف وفقا لتقارير نشرتها صحف أمريكية بذهابه إلى مستشار نفسي للتخلص من هذا المرض، ولو اعتبرنا التحرش هو مرض له عوامله ومسبباته فهل أصاب المرض صانعي الدواء أيضا؟
هناك الكثير من الكلام المرتب والمنمق يمكن أن يكتب في هذا الموضوع وحملات إعلانية يتم صرفها لتوصيل رسالة معينة إلى الجمهور ربما تكون سبب في زيادة نسبة التحرش، ولكن لا تنتهى الأمور هكذا، دوما ما يكون هناك حلول، ولعل أهمها على الإطلاق هو العلاج بالصدمة التي دائما تكون نتائجها مضمونة وسريعة، علينا أولا أن نعترف بالأزمة ووجودها في جميع المؤسسات، بما فيها منظمات مكافحة التحرش ثم، الاتجاه بعد ذلك إلى الأجيال الجديدة وإيجاد طريقة تحترم عقولهم، أملا في مستقبل أفضل بعد أن فقد الجميع صلاحيته وأصبحنا مجرد مجتمع فاسد انتشرت رائحته في الأفق كدخان قش الأرز المحروق!