حينما تنظر إلى التوغل التركى فى محافظة أدلب تحت غطاء روسى لا أمريكى، بدعوى محاربة الإرهاب وفتح طرق إغاثية للمدنيين من السوريين فى المدينة وخفض التوتر المسلح بها وفقاً لتفاهمات «أستانا»، التى ضمت إيران وسوريا وروسيا، وحينما تستمع لبيان الجيش التركى عن انطلاق أنشطة استطلاعية لتأسيس نقاط مراقبة لخفض التوتر فى إدلب، عبر عدة مراحل تتضمن الأولى منها بحسب مواقع الأخبار العالمية انتشار الجيش التركى فى المنطقة الممتدة بين إدلب ومدينة عفرين بمحافظة حلب. لا بد أن تدرك أن ما يحدث فى سوريا ليس إلا حالة من تغير نمط الصراع الحادث فى المنطقة منذ سنوات، والذى لا يضمن فقط لتركيا توسعة مساحة نفوذها فى الأراضى السورية، ولكنه يضمن لها تحجيم القوات الكردية القريبة من مدينة عفرين القريبة من الحدود التركية والخاضعة لسيطرة الأكراد.
*وحينما تستمع لبيان الحكومة السورية المطالب بانسحاب القوات التركية من كل الأراضى السورية بلا شروط مسبقة، واصفاً هذا التدخل بالعدوان وأنه «لا علاقة له من قريب أو بعيد بالتفاهمات التى تمت بين الدول الضامنة فى عملية أستانا، بل يشكل مخالفة لهذه التفاهمات وخروجاً عنها»، فلا بد أن تتساءل وهل فى استطاعة السوريين فى ظل ما يواجهونه تغيير الموقف أو إخراج الأتراك المتوغلين فى الأراضى السورية بغض طرف روسى إيرانى وفقاً لموازين القوى فى سوريا؟ أم أن البيان السورى مجرد كلمات لحفظ ماء الوجه ضد التمدد العسكرى التركى، لأنه يخفف عبء المواجهة المسلحة بين القوات السورية وبين الميليشيات المسلحة فى أدلب، كما أنه يوقف تمدد الأكراد فى تلك البقعة؟
وحينما تتابع الموقف على الجانب العراقى وتطور الصراع فى إقليم كردستان وإصراره على السيطرة على محافظة كركوك واحتلال البشمركة لأجزاء منها، وهى المحافظة الغنية بالبترول -نحو 750 ألف برميل يومياً- وانقسام سكانها إلى حد إعلان التركمان فيها حقهم فى الدفاع عن أنفسهم مما تقوم به البشمركة الكردية إن لزم الأمر، بينما يمنح البرلمان العراقى سلطة التدخل العسكرى لاسترداد كركوك من الأكراد. فى ظل حديث تركى عن حشد عسكرى على حدود إقليم كردستان وإجراء مناورات مشتركة مع إيران والعراق بعد فرض حظر الطيران ووقف مد البنوك الكردية بالدولار. وفى ظل مناوشات بين البشمركة وميليشيات الحشد الشيعية المدربة من إيران، بينما تتوارد الأنباء عن إجراء الانتخابات الرئاسية فى الإقليم فى الأول من نوفمبر المقبل، وإجراء تفاهمات غير معلنة بين بغداد وأربيل لبحث ملف محافظة كركوك، فلابد أن تتساءل عما إذا كان هناك تمهيد لإقرار الأمر الواقع الناجم عن استفتاء إقليم كردستان يوم 25 سبتمبر الماضى- بدعم إسرائيلى صامت ورفض أمريكى مُفتعل-؟ أم أن ما يحدث سيقود لتوحد مصالح عسكرى فى سوريا والعراق وتركيا وإيران لدحض تمرد كردستان، لئلا تتوسع رقعة المطالبة الكردية بالاستقلال؟
وحينما تستمع للتراشق اللفظى بين طهران وواشنطن حول مدى صلاحية استمرار الاتفاق النووى «5+1» الموقع بين إيران والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية فى يونيو 2015، وتهديد واشنطن بإلغائه لعدم جدواه وعدم التزام طهران ببنوده، وتهديد إيران بالانسحاب منه فى حال عدم تمديد الكونجرس لرفع العقوبات عن إيران، بينما يصدر الاتحاد الأوروبى بياناً يؤكد فيه أنه ليس بوسع دولة ما إلغاء الاتفاق النووى مع إيران، لأنه اتفاق دولى، فعليك أن تتابع المشهد بهدوء لأن ما يحدث ما هو إلا استمرار لحالة التصعيد المحكم مع إيران والممارسة من قبل واشنطن منذ دعمها الخفى لثورة الخومينى فى عام 1979 لخلق مبرر الصراع فى المنطقة تحت شعار طائفى وإيجاد مبرر الوجود بها للسيطرة على حقول النفط، ولكن لنا أن نتساءل: هل يمكن أن يكون من بين سيناريوهات الصراع المحدود خلق بؤرة اشتباك جديدة فى المنطقة، لتنفيذ مخطط التقسيم الواضح فى سوريا والعراق؟