لا أجد داعياً للحملة التى شنّها البعض على «المشجع الباكى» فى مباراة مصر والكونغو التى تأهلنا بموجبها لمونديال روسيا (2018)، بعد أن كشف الإعلامى محمد الغيطى أن المشجع «حسنى» طلب مبلغاً مالياً نظير الظهور فى برنامجه بصحبة زميله «محمود». تصرّف الشاب حسنى نصر كان طبيعياً ومنسجماً مع الحالة العامة التى لفّت المصريين بعد المباراة. أسباب عديدة يمكن أن تفسر لنا «طلب المال» كمقابل للظهور فى البرامج التليفزيونية.
أول هذه الأسباب تلخّصه عبارة «ليس من الحكمة أن نصنع المشكلة ثم نشتكى منها». مشكلة هذا الشاب وزميله صنعتها وسائل الإعلام، وليس من العقل فى شىء أن يصنع الإعلام المشكلة ثم يشتكى منها بعد ذلك. حسنى نصر لم يطرق أبواب الإعلاميين أو يُقحم نفسه على الاستوديوهات، كل ما حدث أن معدّى البرامج، ومحرّرى وسائل الإعلام هم الذين جروا إليه وطلبوا منه الحضور الفورى للمشاركة فى برامجهم، بعد أن أصبح نجماً. وسبب نجوميته -كما تعلم- الدموع التى ذرفها بعد أن أصيب المرمى المصرى بهدف ونقلتها كاميرات التليفزيون. ماذا يمكن أن ننتظر من شاب فى العشرينات تحول فجأة من إنسان مغمور إلى كائن مشهور، اعتبر الإعلاميون دموعه بعد هدف فى مباراة دليلاً على الوطنية؟. الشاب من ناحيته ليس أقل وطنية من هؤلاء الإعلاميين، وهنا ننتقل إلى السبب الثانى.
الإعلاميون الوطنيون الذين تتزاحم بهم شاشات الفضائيات حالياً لا يتوقفون عن التغزل فى الوطن، والتعبير عن محبتهم المفرطة له، ومساندتهم له فى جميع المواقف، كم التهبت أحاسيسهم وعلت حناجرهم، وبلغ بهم الأمر حد الرقص فى الاستوديوهات، وهم يعبّرون عن فرحتهم بكل إنجاز تحققه مصر. ربما قرأ أو سمع الشاب حسنى نصر عن الأرقام الفلكية التى يقبضها بعض الإعلاميين نهاية كل شهر، مقابل أدائهم الإعلامى المتميز، وحسهم الوطنى الرفيع. «حسنى» نظر إلى نفسه فوجد أنه لا يقل وطنية عنهم، وأنه ما بين طرفة عين وانتباهتها تحول إلى نجم تتهافت عليه الصحف والقنوات الفضائية، الفارق الوحيد بين «حسنى» ونجوم الإعلام أنه لا يحصل على ما يحصلون عليه فى الحلقة أو نهاية كل شهر، فما كان منه إلا أن طلب مقابلاً مالياً لظهوره مع الإعلاميين، لتبادل كؤوس الدموع فى محبة الوطن.
السبب الثالث يتعلق بخصائص جيل، ليس مثل الأجيال التى سبقته. «حسنى» ينتمى إلى جيل مختلف يعتبر بالأشياء طبقاً لثمنها، ولا يتردد عن السير فى أى «مصلحة»، و«المصلحة» هنا ليس فيها ما يعيب أو يشين، فلماذا نلومه على ذلك؟. نحن أمام جيل يختلف عن جيل المجانية. جيل يقيّم الأشياء بثمنها، كل شىء فى حياته له ثمن.. هناك ثمن يدفعه للمدارس والجامعات مقابل الحصول على شهادة، والموبايل الذى يحمله له ثمن، وشحن الكارت له ثمن، وفُسَحه مع أصدقائه لها ثمن، حتى اللعب له ثمن، كل روافده المعرفية تؤكد له هذه الحقيقة، فكيف يتأتى لشاب من هذا الجيل أن يقدّم شيئاً يمتلكه وحددت وسائل الإعلام قيمته بدرجة «ثمين جداً» بلا ثمن؟!