قويسنابروك
عزيزي القارئ أكتب إليك الآن من مدينة أوسنابروك أو كما يطلق عليها المصريون (قويسنابروك)، أقف الآن أمام محطة قطارها الرئيسية، فقد وصلت إليها لتوي، أوصلني ساشا وصديقته كارولين بسيارتهما الفولكس فاجن، من هو ساشا ومن هي صديقته؟ سأخبرك: تذكر أنني كنت بالأمس في سهرة مع عشرة ألمان، لعبنا جميعا البوكر حتى الثالثة صباحا، ولأنني كنت قد خططت سلفا أن أذهب إلى مدينة أوسنابروك لزيارة صديق، فقد سألت الجميع عما إذا كان أحدهم سيسافر غدا إلى أوسنابروك أو سيمر عليها فيأخذني معه. ولحسن حظي أن كان ساشا وصديقته مسافران لزيارة عائلتهما بالقرب من أوسنابروك.
تواعدنا أن نلتقي في الحادية عشرة صباحا، وفي الحادية عشرة ودقيقة كانا يقفان تحت البيت، قطعنا الطريق من لونا إلى أوسنابروك في نصف ساعة، كانت الأمطار غزيرة ولا تزال، أحمل الآن في يدي مظلتي على أمل أن تقيني من الأمطار، لا أعرف إلى أين أذهب! موعدي مع صديقي المصري في الثانية ظهرا، والساعة الآن تقترب من الحادية عشرة والنصف، أمامي ساعتان ونصف، لا أدري ماذا أفعل فيهما، سأدخل محطة القطار، محطات القطار في ألمانيا متشابهة إلى حد كبير، أغلبها وخصوصا الكبيرة منها مزودة بأحدث الأجهزة، بها مصاعد، ماكينات للتذاكر، لوحات إلكترونية تظهر عليها مواعيد القطارات مثلها مثل لوحات المطارات تماما بتمام، إضافة إلى وجود مطاعم وكفتريات تعمل على مدار الساعة.
لا جديد بالنسبة لي في محطة أوسنابروك، ربما شكلها الخارجي القديم هو ما أعجبني، وحتى هذا الشكل الخارجي لا يمكنني الاستمتاع بالوقوف أمامه طويلا، فالأمطار غزيرة والجو بارد، كان أفضل اختيار بالنسبة لي هو أن أبحث عن وسط المدينة، ليس من الصعب أن تصل إلى وسط أي مدينة في ألمانيا، فمحطات القطارات صُممت لتكون على مقربة من مركز المدينة، ولكن الأمطار لا تزال غزيرة!
المدينة خالية من المارة، ومن السيارات أيضا، سكون رهيب، كأنها مدينة أشباح، أسمع الآن رخات المطر وكأنها قنابل، حذائي مبلل، أشعر ببرودة في قدمي، وفي يدي أيضا، ماذا لو اتصلت بصديقي أخبره بقدومي إلى أوسنابروك، لا، لن أفعل، فقد تواعدنا أن نلتقي في الثانية بعد الظهر، ربما يكون مشغولا، وربما لا، سأخبره فقط بقدومي، ولو لاحظت انشغاله فلن أثقل عليه، لا، لن أتصل!
واصلت سيري نحو وسط المدينة حتى اقتربت من كنيسة شاهقة الارتفاع قديمة، أجراسها لا تكف عن الصراخ، بابها مفتوح، دخلت منه عائلة بأطفالها، تذكرت أن اليوم هو يوم عيد الفصح، ليس في المدينة ما يدل على أن اليوم عيد، ربما لأن عيد الفصح هو عيد حزين، عيد صلب المسيح، ولكن لماذا يسمونه عيدا؟ ألم تُجعل الأعياد للفرح والبهجة والسرور؟! قد يكون من الأنسب أن يسمونه ذكرى صلب المسيح، أو عبرة صلب المسيح، لا أعرف، فلست متعمقا في الدين المسيحي، أو ربما هم يحتفلون فرحا بقيام المسيح المخلص، ربما!
لم أشغل بالي كثيرا بتلك الأمور العقدية التي لا نهاية لأسئلتها ولا يقين في الأجوبة عليها، وتفرغت لحمل مظلتي والتماس طريقي إلى وسط المدينة، اشتدت الأمطار، وابتل حذائي بالكامل، ورأيتني أخرج هاتفي لأتصل بصديقي!