تستخدم كتب التراث كلمة «القنبية» كمرادف لكلمة «الحشاشين»، أو من يتعاطون نبات «القنب» أى «الحشيش»، وقد تم اكتشافه، كما ذكرت لك بالأمس، على يد أحد العباد الزهاد، وهو أمر يمنحك إشارة مبدئية -من جانب كتاب التراث- إلى أن تعاطى الحشيش لا يتناقض مع فكرة الإيمان والزهد والنشاط فى العبادة، بل يؤدى إلى اعتدال المزاج الذى تعكر، والعودة إلى حالة الزهادة والعبادة من جديد كما حدث مع الشيخ «حيدر» الذى أصابته نشوة أخرجته من حالة الخمول والضيق اللذين كان يشعر بهما، بسبب ارتفاع درجة الحرارة، وأخذ يتمايل كما يتمايل نبات «القنب»، ثم اصطحب أتباعه بعد ذلك لينالوا حظاً مما نال. ولو أنك تأملت الأوصاف التى تخلعها بعض كتب التراث على «الحشيش» فستجدها تحتشد بالمديح، أو قل هى أشبه بالإعلانات غير المدفوعة التى تهدف إلى الترويج والتسويق لهذا المخدر الذى نظر إليه الشيخ «حيدر» -المكتشف الأول له- كثروة وسر لا ينبغى أن يطلع عليه أى شخص من جانب مريديه، اللهم إلا الفقراء الذين وجد أنهم بحاجة إلى تعاطى «الحشيش»، وقال لهم: «إن الله تعالى قد خصكم بسرّ هذا الورق ليُذهِبَ بأكله همومكم الكثيفة ويجلو بفعله أفكاركم الشريفة فراقبوه فيما أودعكم وراعوا فيما استرعاكم».
وعملاً بوصية الشيخ «حيدر» فقد نشط أتباعه فى زراعة «القنب» حول ضريحه، بعد وفاته، ما أدى إلى انتشار «الحشيشة» فى خراسان، ومنها إلى العراق، ووصل خبرها إلى أهل الشام ومصر والروم فاستعملوها. ويعتبر «المقريزى» أن القنب الذى انتشر فى مصر كان من النوع الهندى، ونقلاً عن «ابن البيطار» أشار كتاب «الخطط» إلى أن القنب الهندى «يزرع فى البساتين ويقال له الحشيشة عندهم أيضاً، وهو مسكر جدّاً إذا تناول منه الإنسان قدر درهم أو درهمين، حتى إنّ من أكثر منه يخرجه إلى حدّ الرعونة، وقد استعمله قوم فاختلت عقولهم وأدّى بهم الحال إلى الجنون وربما قَتَلتْ. ورأيت الفقراء يستعملونها على أنحاء شتى فمنهم مَن يطبخ الورق طبخاً بليغاً ويدعكه باليد دعكاً جيداً حتى يتعجن ويعمل منه أقراصاً، ومنهم مَن يجففه قليلاً ثم يحمصه ويفركه باليد ويخلط به قليل سمسم مقشور وسكَّر ويستفه ويطيل مضغه فإنهم يطربون عليه ويفرحون كثيراً وربما أسكرهم فيخرجون به إلى الجنون أو قريب منه».
الحكى الذى ينقله «المقريزى» عن «ابن البيطار» يدلل على تعدد وتنوع الطرق التى كان المصريون يتعاطون بها الحشيش فى الماضى، وهو تقليد لا يزال الكثير من متعاطى الحشيش محتفظين به حتى الآن، بما فى ذلك مصطلح «قرص الحشيش» الذى أشار إليه «المقريزى». من المهم أيضاً التوقف عند مسألة الربط بين الفقر وتعاطى الحشيش، وكأن الكاتب يريد أن يقول إن انتشار الحشيش فى أوساط الفقراء يعبّر عن رغبة من جانبهم فى «التوهان» عن واقعهم البائس، لكن من المهم التنبه إلى أن تعاطى الحشيش لم يرتبط بالفقراء وحدهم، بل تمدد إلى غيرهم، وليس هذا التمدد وليد اليوم، بل يجد جذوره فى تواريخ عديدة سابقة، شكّل فيها «الحشيش» جزءاً من حياة الكثير من المصريين.