أمام جلال الشهادة، تتضاءل كل الكلمات والأفكار.. لكن ذلك لا يمنع أن يحاول كاتب هذه السطور أن يمارس نوعاً من الجهاد الأصغر أو الاجتهاد إن شئنا الدقة.. ويبقى أن أُسجل عدداً من الملاحظات على هامش حادث طريق الواحات البحرية الذى وقع عصر الجمعة الماضى، واستُشهد فيه ثلاثة وخمسون من خيرة أبناء مصر.
وأولى هذه الملاحظات أننا وبغض النظر عن المسميات، نخوض حرباً حقيقية على أكثر من جبهة، سواء فى الشمال الشرقى، حيث مثلث رفح، أو فى الغرب، حيث الحدود الليبية، وقد لا ترغب مصر لأسباب سياسية فى أن تسمى ما يحدث بالحرب حتى لا تعطى الإرهابيين والخونة حجماً أكبر من حجمهم الحقيقى، وحتى لا تمنح ذئاب المجتمع العالمى الفرصة للحديث عن (حركات انفصالية)، نعلم هذا ونعرفه ونتفهم دوافعه جيداً، لكن هذا لا ينفى أن يكون لدى كل منا يقين واضح بأننا نواجه حرباً ضارية لا هوادة فيها، وأن تماسكنا وتلاحمنا هو سبيلنا الوحيد للانتصار فى هذه الحرب.
أما الملاحظة الثانية فهى تخص جبهتنا الداخلية فى هذه الحرب، التى يجب أن تتّسع لكل الذين يؤيدون الدولة المصرية فى حربها ضد الإرهاب تأييداً صادقاً، حتى لو كانت لهم اختلافات مع سياسة يتم تطبيقها، أو إجراء يتم اتخاذه هنا أو هناك.. وإلى جانب هذا (الضم) الواجب لكل مصرى يصطف خلف الدولة المصرية فى حربها ضد الإرهاب فإن ثمة (فرز) آخر مضاداً يجب أن يجرى لقِصار النظر والحاقدين والخونة وطنياً، الذين يخلطون بين الخلاف السياسى والشماتة فى شهداء الشرطة والجيش، وهؤلاء عندى ليسوا من الوطنية فى شىء وليسوا من المصرية فى شىء، وهم عندى والإرهابيون سواء.. وقد عبّر هؤلاء عن شماتتهم بطرق مختلفة، سواء بإظهار اللامبالاة أو بتحميل الدولة المصرية مسئولية ما حدث، متناسين أنه لولا صمود هذه الدولة، ولولا الشهداء الذين تقدّمهم مؤسساتها المتخلفة لكان الإرهابيون فوق رؤوس هؤلاء وفى غرف نومهم لا يمنع هذا من أن أسجل ملاحظتين إحداهما فى مجال البحث، والأخرى فى مجال الإعلام، أما فى مجال البحث، فلا شك أن لدينا غموضاً معرفياً يتعلق بكل حركات الإرهاب التى طفحت على أرض مصر بعد ثورة الـ٣٠ من يونيو، وبالذات تلك الجزئية التى تعالج علاقة جماعة الإخوان بالإرهاب، والعناصر التى حملت السلاح من داخل الجماعة، ومدى وجودها على الأرض.
أما الملاحظة الثانية فتتعلق بأداء القنوات المصرية فى الساعات التى تلت الحادث، ورغم أننى من أهل الإعلام والعاملين فيه، إلا أننى أستطيع أن أنتقد هذا الأداء، وأقول إنه إذا لم يكن ممكناً للقنوات أن تعالج ما يجرى على الأرض إخبارياً، كون المعركة كانت لا تزال مستمرة، فقد كان أمامها اختيار أن تعالج قضية الإرهاب بشكل عام وأن تذيع ما يناسب الحدث، حتى ولو دون الاشتباك معه، وما يحمس الناس وما يبقى جذوة الشعور الوطنى مُتّقدة فى الصدور.. لكن ذلك له حديث آخر.. نحن فى حاجة إلى استراتيجية حرب ضد الإرهاب، يكون المواطن جزءاً منها، ولذلك أيضاً حديث قادم.