لعلك تعلم النكات التى تبدأ بلازمة «مرة واحد حشاش»، وتحكى لك المفارقات المضحكة التى يقع فيها الحشاشون. وقد تعجب إذا علمت أن انتعاش هذا النوع من النكات ارتبط بعصر بهاء الدين قراقوش، وزير السلطان صلاح الدين الأيوبى. واسم «قراقوش» لم يزل عالقاً بذاكرة المصريين حتى الآن كرمز للبطش والقهر، وعبارة «هو حكم قراقوش» يستخدمها المصرى فى وصف الأشخاص الذين يريدون فرض ما يرون على الآخرين بالقوة. وربما تكون قد سمعت عن كتاب «الفاشوش فى حكم قراقوش»، الذى يجمع قصصاً تصنف فى إطار اللامعقول عن هذا الوزير. فى عصر «قراقوش» بدأت تظهر نكت «الحشاشين»، وأحياناً ما كان يتم توظيفها بهدف السخرية من هذا الوزير.
من بين هذه النكت واحدة شهيرة تقول إن مجموعة من الحشاشين اجتمعوا على مركب فى «بولاق»، وانخرطوا فى وصلة «تحشيش» كبرى، وفجأة طب عليهم الوزير «قراقوش»، فما كان منهم إلا أن ألقوا بالحشيش وأدوات التحشيش فى النيل، وبدأوا يمثلون فيما بينهم أنهم عمال نسيج يمسكون بأثواب القماش، ويعملون على الأنوال. نظر إليهم «قراقوش» وهو لا يرى قماشاً ولا أثواباً ولا أنوالاً، وسألهم: «ماذا تصنعون؟!»، فقال أحدهم نصنع أقمشة، ثم قام آخر ومثّل أنه يحمل ثوب قماش فى يده تقدم به إلى «قراقوش»، وقال له يا وزير السلطان: هذا القماش الذى أحمله فى يدى من نوع خاص جداً، لا يراه إلا أولاد الحلال، ويعمى عنه أولاد الحرام، وقد جئنا به لنصنع لك منه أثواباً خاصة لا تسمح لأولاد الحرام الذين يريدون قتلك برؤيتك، ثم قدم له القماش وطلب منه فحصه وسأله: «هل يعجبك؟». فرد الوزير: هذا قماش عظيم وسأصنع منه ثيابى، لأنه إذا أجاب بالعكس فسيكون ذلك اعترافاً منه بأنه «ابن حرام».
هذه الحكاية رواها «عبدالمنعم شميس» فى كتابه مقاهى الأدب والفن فى القاهرة. وهى تمنحك مؤشراً على أن الحشيش كان حاضراً فى أمور المجتمع كما كان حاضراً فى أمور السياسة. وشخصية «قراقوش» من الشخصيات المثيرة فى التاريخ المصرى، فقد كان الرجل بنّاءً كبيراً، قاد وأشرف على بناء قلعة الجبل وأسوار القاهرة، ويقال إنه سخّر 50 ألف أسير للقيام بهذه المهمة، ويربط البعض غضب المصريين منه بسعيه إلى تسخيرهم فى العمل فيما أراده، لكن ثمة تفسيراً آخر للأمر لا يقل أهمية عن ذلك يتعلق بالظرف التاريخى الذى ظهر فيه «قراقوش»، فقد كان «بهى الدين» وزيراً لدولة صلاح الدين الأيوبى، وهى الدولة التى قامت على أنقاض الدولة الفاطمية، وكان من بين أهدافها القضاء على المذهب الشيعى فى مصر، وإعادتها مرة ثانية إلى حظيرة المذهب السنى، وقد قام «قراقوش» بدور مهم فى هذا السياق، وقاد الكثير من حروب صلاح الدين ضد أنصار التشيع الفاطمى، وهزمهم فى مواقع عديدة. فهل يمكن أن يكون سبب ثورة الغضب التى ميزت علاقة المصريين بالوزير «قراقوش» أساسها محاربة التشيع، خصوصاً أن الشيعة ليس لديهم نفس تشدد أهل السنة فى التعامل مع «الحشيش»؟!.