رغم أن جماعة الإخوان تعمل فى السياسة منذ أكثر من ثمانين عاماً، فإن ذلك لم يمنعها من امتلاك العديد من مهارات الأداء العسكرى؛ فبعد أن أصدر الدكتور «مرسى» قراراً بعودة مجلس الشعب «المنحل» إلى الانعقاد وتزاحم نواب الجماعة تحت «القبة» واحتشاد كوادرها تحت شمس «الميدان» إذا بهم يتراجعون -بمنتهى الخفة واللياقة- أمام حكم المحكمة الدستورية بإبطال قرار الرئيس، ليطبقوا بمهارة ورشاقة محسوسة قاعدة «كما كنت» التى يتعامل بها «العساكر» عندما يأمرهم القائد بالرجوع عن حركة معينة قاموا بأدائها إلى الحركة السابقة، فيصرخ فيهم قائلاً: «كما كنت» فيعود كل منهم إلى سابق حالته ومحله.
وأتصور أن هذا النمط من الأداء ليس جديداً على الإخوان؛ فقد احتشدوا فى ميدان التحرير قبل إعلان نتائج جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة مطالبين بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل، وحلفوا بأغلظ الأيمان وصرخوا بأصوات «حنجورية» ملتهبة معلنين عن مواصلة الاعتصام فى الميدان حتى يحققوا أهدافهم، وما إن أعلنت اللجنة العليا للانتخابات عن فوز «مرسى» بالرئاسة حتى بدأ الإخوان فى «السرسبة»، أخ إثر أخ، بعد أن قاموا بواجب الاحتفال بالتمكين لممثلهم فوق أرض مصر ليعودوا أدراجهم من حيث جاءوا، وليتضح أن هدفهم من هذا الاحتشاد لم يكن تحقيق ذلك المطلب، بل كان مجرد ورقة ضغط بعد أن شاع أن اللجنة سوف تعلن أن مرشح الفلول «أحمد شفيق» هو الرئيس المنتظر لـ«المحروسة»، وبعد أن كان مغنيهم يغنى «ع الميدان»، أصبح يهتف مسئولوهم «ع البيوت.. كما كنت»!
وللإنصاف، علينا أن نعترف أن الإخوان «مش ساكتين» على موضوع حل مجلس الشعب، فرغم امتثالهم لأمر «كما كنت» فإنهم يحاولون تصدير غيرهم فى المشهد من أجل تحدى السلطة الفعلية القائمة فى البلاد (سلطة المشير)، وهناك مخلبان أساسيان يحاول الإخوان توظيفهما فى هذا السياق، وهما: مخلب حركة 6 أبريل، ومخلب الحركة السلفية، ومن المحتمل أن يقبع الإخوان فى المؤخرة ليتركوا هاتين الحركتين فى المواجهة. وهى أيضاً لعبة من ألعاب «التكتيك العسكرى» بأن تواجه خصمك من وراء «ساتر»، على أن تلتزم فى حالة إصابته بأى سوء بأن تقول «يا ساتر»! فهذا يكفى جداً، وعندما تنتصر حشود المواجهة على الخصم عليك أن تعود من جديد إلى تطبيق قاعدة «كما كنت» فتهرول نحو المقدمة لتكون فى الصدارة أثناء جمع الغنائم. ومشكلة هذه الطريقة فى إدارة الصراعات أنها لا تصيب أهدافها فى كل الأحوال. والشاعر العربى القديم يقول «ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.. تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن».. والمثل المصرى العتيق يقول: «مش كل مرة تسلم الجرة»!