إن صحت التسريبات بشأن بعض مواد الدستور الجديد التى تصوغها حاليا لجان الجمعية التأسيسية الفرعية وإن تم اعتمادها تصويتيا من قبل الأغلبية المرجحة المنصوص عليها وإن استمر عمل الجمعية دون إبطال، سنكون مع إشكاليات كبرى فى الدستور الذى سيطرح على المصريات والمصريين للاستفتاء.
من جهة، تقرر المادة الأولى المقترحة هوية الدولة فى مصر باعتبارها دولة ديمقراطية شورية دستورية حديثة، وتتركنا وحال سبيلنا فى ما خص معرفة المعنى المحدد لصفة «الشورية». فالشورى كممارسة تشاركية عرفها التاريخ العربى والإسلامى بين متخذى القرار وجماعات التأثير والنفوذ حولهم تدلل على مضامين تندرج تحت الصفة الديمقراطية بما تحويه الأخيرة من تشاركية فى اتخاذ القرارات ذات الصلة بالصالح العام واختيار لمتخذى القرارات هؤلاء عبر آليات التعبير الحر عن الإرادة الشعبية (صندوق الانتخابات) ومحاسبتهم عن نتائج قراراتهم قانونيا وسياسيا فى انتخابات دورية نزيهة وتغيير مواقعهم فى إطار التداول السلمى للسلطة. الديمقراطية فى خبرتها التاريخية والمعاصرة لا تتناقض مع تشاركية الشورى، بل هى تحويها كمكون أساسى وتتجاوزها لمضامين وآليات أكثر شمولا. لا أجد مبررا للصيغة المقترحة وتكفينا الإشارة للديمقراطية، طبعا مع صفة المدنية بما تعنيه من مواطنة الحقوق المتساوية دون تمييز وتداول السلطة بين المدنيين المنتخبين لإدارة الشأن العام. غير أن المدنية غابت وحضرت الشورية ضعيفة المضمون والدلالة.
فى المادة الأولى أيضا يقترح على المصريات والمصريين فى معرض تقرير الهوية كون مصر جزءا من العالم العربى والإسلامى و«ترتبط بالقارة الأفريقية». نحن ننتمى بالقطع للعالم العربى والإسلامى، إلا أن اختزال هويتنا الأفريقية وانتماءنا للقارة السمراء إلى مجرد ارتباط هو أمر فاضح فى سطحيته وبالغ الخطورة. تاريخنا منذ الفراعنة هو تاريخ انتماء لأفريقيا ولحضاراتها، ودورنا خارج حدودنا دوما ما نهض حين بحثنا عن التعاون مع جيراننا فى حوض النيل وما وراءه، وحياتنا شريانها النيل وهو عماد أمننا القومى، وبتركيبتنا المجتمعية جذور أفريقية ضاربة فى الأعماق لا تقتصر فقط على أهل النوبة.
نحن جزء من أفريقيا ومن يختزل هذه الهوية إلى ارتباط يقع فى أسْر لعبة المستعمر الأوروبى الذى فصل بين شمال أفريقيا العربى وبقية القارة بمقولات مشابهة فى زيفها تحقيقا لمصالحه. من يختزل أفريقيا لارتباط يمارس استعلاء المستعمر دون وعى ويجدد استعلاء الفاتح العربى الذى تورط طويلا، على الرغم من نشره للإسلام وقيمه الإنسانية السامية فى أرجاء أفريقيا، فى تمييز على أساس اللون وفى اضطهاد لأصحاب الأصول الأفريقية (السودان نموذجا) وفى ممارسات مقيتة كتجارة الرقيق وغيرها. فهل نريد أن نذكر أفريقيا اليوم بكل هذا بدلا من اعتماد رؤية أكثر عقلانية وأكثر اتساقا مع هويتنا الحقيقية؟
لا بد من تغيير النص المقترح ليصبح: «مصر جزء من العالم العربى والإسلامى ومن القارة الأفريقية منتمية لهم جميعا ورابطة بينهم».