"النوبي" محاصر بين تكفير "الإخوان" لرفضه المشاركة في "رابعة".. وتهديدات الشارع بسبب "لحيته"
يمر أحمد فاروق يوميا على أكمنة الجيش في طريقه للعمل من المهندسين للشيخ زايد، حين يقترب من الكمين، يشير إلى الجنود المرابطين جانب مدرعاتهم بعلامة النصر، فلا يبادلونه الإشارة، ولا يبتسمون في وجهه، بل يكتفون بالتجاهل أحيانا، أو رميه بنظرة احتقار أحيانا أخرى.
اعتاد فاروق المعاملة الجافة، بين من ينظر إليه بازدراء في الشارع، أو يقول له دون مناسبة "منكم لله خربتوا البلد"، وقد يتطوع أحدهم بسبه بألفاظ تنال شرفه وأمه وعائلته كلها.
"الشعب وضع الملتحين كلهم في مكان واحد"، هكذا يفسر فاروق سبب ما يعانيه من مشاكل يومية، فلحيته الكثة صارت مصدرا للمضايقة والتحرش والتشاجر المستمر، حيث صارت اللحية رمزا للتيار الإسلامي الذي ثار عليه الشعب في 30 يونيو.[FirstQuote]
معاناة "فاروق" بدأت من قبل دعوة 30 يونيو، وكانت تشتد المضايقات عليه بمرور الأيام واقتراب موعد نزوح الملايين في الشوارع لأسقاط أول رئيس "ملتحٍ" يمثل التيار الديني في سدة الحكم، وكانت أول تلك المضايقات التي تعرض لها حين قابل سيدة عجوز مصادفة أثناء مرور بأحد الطرقات، اتجهت نحوه وقالت له بصوت عال "حسبي الله ونعم الوكيل فيكوا"، وتركته وعلامات الغضب ترتسم على وجهها، وفشلت كل محاولته تهدئتها.
تطورت المضايقات مع فاروق، مع مرور الأيام واقتراب الموعد الذي أعلنت عنه حركة "تمرد"، لإسقاط مرسي، فاستوقفه أحد المارة، سب له الدين بوجه مكفهر، وحاول فاروق الرحيل ولكن الرجل أصر على افتعال مشكلة، حتى استطاع فاروق تجاوزها.
الشاب ذو الملامح النوبية، ونظراته الطبيعية التي تضفي عليه جانبا من الوقار يكتمل بالشيب في رأسه، يتقبل كل ما يواجهه من مشاكل ورفض مجتمعي له بصدر رحب؛ لأن عودة "الإخوان" للحكم ومناصرتهم أشد خطرا على الوطن، حسب اعتقاده، ولكن ما يعز على نفسه هي "الخوض في الأعراض، الطعن في الشرف والكرامة".
وأشار في حواره لـ"الوطن" إلى أن الأمر وصل إلى حد منع الملتحين من دخول محال الطعام، تحت شعار "مفيش أكل للإخوان"، سواء من جانب الزبائن الذين يجبرون بعض أصحاب المحالات على طردهم، والاعتداء في بعض الأحيان، وأصحاب المحال أنفسهم، والذي يرفضون مجرد دخول الملتحين محالتهم، في أحيان أخرى.
"فاروق" اتجه إلى إطلاق لحيته مع عام 2002، ويحمل جماعة الإخوان المسلمين، لا أحد غيرها، مسؤولية ما وصل إليه حال "الملتحين" في مصر، وما يعانون منه من اضطهاد من المجتمع المصري،"السبب هو ضغط الإخوان على الناس الذي ولد كراهية الشعب لكل من يطلق لحيته، والجماعة ليس بها خير، ولا تعمل إلا من أجل السلطة، وتستخدم الدين للوصل لمصالحها، والتغيير يأتي بالتربية وليس وليس الحكم" رافضا دخول الدين في السياسية، مشيرا إلى مدى الضرر الذي لحق بالدين جراء دخول حملته بين الساسة والوصول للحكم.
يحاصر فاروق وأقرانه من "الملتحين" الرافضين لحكم الإخوان، مجتمعيا، فامتناعهم عن مشاركة أنصار الرئيس المعزول المظاهرات، وضعهم في صفوف "العلمانين" في نظر "الإخوان"، ويقول "تربية الإخوان تقتصر الإسلام فيما يفهمونه وفقط، ومن يخرج عن ذلك فهو كافر"، مؤكدا أن الإخوان جماعة تكفيرية، كفرت كل من رفض يشاركها حربها ضد الجيش.
فاروق ينتمي للسلفية الدعوية، التي لا تعترف بالديمقراطية ونظم الحكم الحديثة وترفض نهائيا الانخراط في السياسة أو المشاركة بالانتخابات، مفضلين الالتزام بتربية أبنائهم ودعوة أبناء الآخرين إلى مايرونه "صحيح الدين".
"الحكم لا يسبق الدين"، كما يقول فاروق، فمنهج السلفية الدعوية يقوم على نشر التدين من خلال المعاملة والتجارة والإحسان للجيران حتى يفضل الناس الشريعة الإسلامية على ماعداها من نظم طوعا لا كرها.
"تربية الأطفال والأبناء على الدين الصحيح، فيأتي الدين ثم يأتي الحكم الصالح من خلال التربية ومعاملة الجار والقبطي وتحسين صورة الإسلام والمسلمين"، هذا هو منهاج فاروق الشاب الثلاثيني الذي يتبعه، فهو منتمي للسلفية الدعوية".
ويروي "فاروق النوبي" قصة جاره القبطي وما انتابه من مخاوف لمجرد كونه "ملتحٍ" وكيف تحسنت العلاقة حين قرر فاروق الوقوف بجواره حين أصيب في حادث، وتكفل بقيادة سيارته، وتوصيله حيث شاء، ما ساعد في تشكيل صداقة قوية بينهما.[SecondQuote]
رغم تلك المضايقات والمشكلات التي يتعرض لها بسبب لحيته، يرفض فاروق التخلى عنها، وسط ما يمارس عليه من ضغوط أهله لحلقها ليستطيع العمل في مأمن بعيد عن تلك المشاكل اليومية، بخاصة في ظل الملاحقة الأمنية المستمرة لشباب التيار الإسلامي، مؤكدا أن فتوى حلق اللحية ضالة، فهي تعرض من يستجيب لها لأحد أمرين حسب قوله: الأول هو يزرع الشك في من جانب من حول مشاركته في أعمال عنف وإرهابية، وأن حلاقتها ما هي إلا بغرض التخفي، والأمر الثاني: هو "خطأ ديني"، مطالبا الملتحين الثبات في وقت الشدة، مؤكد أن من أفتى بها كان للحفاظ على أتباعه التكفيرين، الذين يحاولون الهرب مما ارتبكوا من جرائم.
قاطع فاروق الانتخابات الرئاسية غير مؤمن بالآليات الديمقراطية، في الوصول للحكم، قائلا "علينا ترسيخ الدين في نفوس البشر قبل أن نحكمهم"، مؤكدا أن الإخوان استغلوا بعد الناس عن الدين؛ لترويج بضاعتهم الدعوية، القائمة على الوصول للحكم قبل أي شيء، فكفروا الحاكم وخرجوا عن الدين الصحيح، وتسبب في كره الناس وفقدان الثقة في الدعاة والشيوخ، فنظرة رجل الشارع المتدين بطبعه لرجل الدين قبل وصول الإخوان للحكم وما بها من وقار واحترام وهيبة، تبدلت بصورة لرجل كاذب يسعى لكرسي الحكم، وفشل فيه يحمل السلاح في وجه الشرطة والجيش ويعمل للدعوة للعنف.
وصلت المضايقات لفاروق والملتحين حسب قوله لحد التهديد بـ"القتل" من بعض البلطجية، إن لم يتخلى عن لحيته ويحلقها، متوقع مضايقات أمنية أكثر فجاجة لكل من يطلق لحيته، في ظل حالة الكره والعداء، لكل ما هو إسلامي، مبرر عداء "الداخلية" للإسلامين بعد حرق "الإخوان" للأقسام وتفاخرهم بذلك علنا. ويرفض الشاب النوبي بشكل دائم لفظة "شيخ" حين يناده بها أحد، واصفا نفسه بمجرد "متعلم للدين"، ناعيا فقدان اللحية لاحترامها في زمن ما بعد الإخوان، قائلا: "الناس كرهت الدين، والملحدين باتوا يجهروا بكفرهم، وتهديدات القتل باتت شيء عادي ومتوقع لكل من يرفض التخلى عن لحيته".