أشعر فى الكثير من اللحظات أن نقاشاتنا حول السياسة وأحداثها باتت يعوزها معايير واضحة للتقييم وبناء الرأى ومن ثم الاختلاف وممارسة التعددية. وفى النقاش الدائر الآن حول رئيس مجلس الوزراء المكلف دليل بين على هذا.
باختصار، لرئيس الجمهورية فى مصر حق كامل فى تكليف رئيس مجلس الوزراء والموافقة على ترشيحاته بشأن الوزراء، ويتحمل بالتبعية المسئولية السياسية الكاملة عن عمل وأداء الفريق الحكومى. للدكتور محمد مرسى مشروع سياسى ومجتمعى يريد تنفيذه، وهو المعنى باختيار من يراهم قادرين على الاضطلاع بالمهام المرتبطة بمشروعه وتعيينهم فى فريق رئاسى وآخر حكومى.
وكنت قد أكدت على هذه المضامين ما أن بدأ النقاش العام حول تكليف رئيس مجلس الوزراء، وطالبت الدكتور مرسى بتشكيل فريق حكومى من الإخوان وحلفائهم والتكنوقراط القريبين منهم كى يرى مشروعه (النهضة) النور، ونتمكن نحن فى التيارات الليبرالية واليسارية من العمل كمعارضة ديمقراطية تراقب وتنقد وتقوم وتساند أداء الحكومة وفقاً لتقديراتنا للصالح العام.
إلا أن رومانسية بعض السياسيين والشخصيات العامة فى مصر التى دفعتهم للترويج لفكرة حكومة ائتلاف وطنى موسع، وحاجة الإخوان لتوظيف هذه الرومانسية لبعض الوقت صنعت تصوراً متخيلاً مفاده أن الرئيس سيكلف شخصية وطنية غير إخوانية لرئاسة مجلس الوزراء، وأن الوزراء سيمثلون كافة الأطياف الوطنية، وأن الإخوان لن يحصلوا إلا على عدد محدود من الحقائب الوزارية.
وكتبت بيانات كثيرة تشدد على التزام الرئيس بهذه الخطوط العريضة وتعهده القاطع بعدم خرقها.
كتبة البيانات هؤلاء ورومانسيو السياسة المصرية صدمهم تكليف رئيس لمجلس الوزراء لا يعبر عن تصورهم المتخيل، ووجهوا سهام نقد حادة لرئيس الجمهورية على النكوص عن التزامات وتعهدات، ولرئيس مجلس الوزراء المكلف، مقللين من قدراته وإمكانياته دون معرفة.
لهم أقول: إن رئيس الجمهورية مارس حقه فى الاحتيار والتكليف، وإن فريقه الحكومى ينبغى أن يعبر عن مشروعه هو وليس عن القاسم المشترك الأعظم بين كل القوى الوطنية والسياسية المصرية. نحن فى وضع أفضل مع حكومة إخوان وحلفاء «الجماعة» وتكنوقراط قريبين منها.
نحن كمواطنات ومواطنين فى وضع أفضل، لأننا سنتمكن من تقييم أداء الحكومة وفقاً لمعايير واضحة نابعة من مشروع الرئيس، وسيكون لدينا عنوان صريح، إما للتأييد والمساندة أو للمحاسبة والمساءلة، هو أحزاب الإسلام السياسى.
وكأحزاب ليبرالية ويسارية وطنية، نحن أيضاً أفضل حالاً مع حكومة لا تدعى تمثيل كافة الأطياف ولا استيعاب كافة البرامج والرؤى المجتمعية والسياسية فى برنامجها هى. فمثل هذه الحكومات محكوم عليها مسبقاً بالفشل، وإن نجحت فى شىء فعادة ما تنجح فى خنق المعارضة بادعاء التعبير عن إجماع أو توافق وطنى مزعوم.