فهؤلاء الذين رفعتهم شعوبهم إلى مصاف الأبطال المنقذين أو اعتقدوا هم أنهم كذلك ما إن وصلوا لمقاعد الحكم واستبدوا بمجتمعاتهم بحثا عن بطولات زائفة، جلبوا لشعوبهم وبالا وخرابا وللإنسانية دمارا استغرق فى بعض الحالات عقودا لتجاوزه (هتلر وألمانيا النازية نموذجا). ولم يخلُ عالمنا العربى من مستبدين ظنوا أنهم يحملون جينات البطولة والعظمة وأودوا بمجتمعاتهم لهاوية سحيقة كصدام حسين ومعمر القذافى. وعانينا أيضا من حكام اعتقدوا أنهم بمفردهم قادرون على تغيير مصير شعوبهم وأنهم لا يحتاجون لا لمؤسسات ديمقراطية ولا شعبية ولا يمكن أن يقبلوا رقابة أو مساءلة. ولم يكن لا جمال عبدالناصر ولا السادات، وبغض النظر عن الاختلاف فى تقييم حصاد سياساتهما وعن عدم تشككى للحظة فى حبهما لمصر، ببعيدين عن هذا النمط الأخير.
اليوم، ومصر تسعى للتحول باتجاه دولة ديمقراطية ومجتمع عدالة اجتماعية وتتعثر كثيرا إلى حد يبدو معه مسار التحول بالغ الصعوبة ومحفوفا بالمخاطر، يستدعى الكثيرون من بين المواطنات والمواطنين الصورة المتخيلة لبطل منقذ ويدفعهم البحث عنه إلى خلط أوراق ينبغى ألا تخلط والوقوع فى مصيدة التقدير الخطأ لمواقف وسياسات وشخصيات. فالبعض يبالغ فى تأييد رئيس الجمهورية ويرفعه وهو فى بدايات البدايات إلى مصاف بطل منقذ انتظرناه طويلا لتخليص مصر من سيطرة العسكر. والحقيقة هى أن الدكتور مرسى لم يفعل الكثير إلى اليوم لكى يوضع فى مكان كهذا والأهم، هو أنه لن يقوى بمفرده على إعادة تعريف مكان العسكر فى السياسة المصرية على نحو يتسق مع المعايير الديمقراطية، أى جيش احترافى يراقب من مؤسسات منتخبة ويخضع لها.
آخرون ينتقدون تكليف الدكتور هشام قنديل برئاسة مجلس الوزراء لأنهم لا يرون به ملامح قائد حكومى منقذ، سواء عرف الإنقاذ هنا بمعنى تمثيل كل التيارات الوطنية فى حكومة ائتلافية يقودها سياسى معروف أو بمعنى تكليف حكومة كفاءات مشهود لها عالميا وبأسماء رنانة يثق بها المواطن. هنا أيضا بحث فى غير موضعه عن بطل منقذ، فالمؤكد هو أن العمل الحكومى يندر أن يستقر فى الحكومات الائتلافية وأن حكومات الأسماء الرنانة كثيرة الأزمات.
لرئيس الجمهورية حق تكليف الحكومة التى يراها قادرة على تنفيذ برنامجه، فهذا هو هدفها ويجب ألا نذهب إلى أبعد من هذا.
قطاعات أخرى متخوفة من سيطرة جماعة الإخوان بمفردها على مفاصل الدولة وتغيير هويتها تبحث عن بطل منقذ هو فى مخيلتها رجل أمن قوى قادر على «شكم» أولئك الإسلاميين ووضعهم تحت السيطرة. ويدفعهم خوفهم إلى تأييد السياسيين الذين يجيدون مخاطبة خوفهم ورسم صورة الرجل القوى، وهو ما ظهر بوضوح فى تأييد عمر سليمان وأحمد شفيق. لن تنجح مصر فى مواجهة خطر سيطرة جماعة أو مجموعة أو حزب على الدولة والسياسة إلا بالمزيد من الإجراءات الديمقراطية والمزيد من المنافسة الانتخابية والمزيد من دفاع المجتمع المدنى والإعلام عن مؤسسات دولة مستقلة ومحايدة ولا يغلب عليها طابع سياسى أو حزبى. لسنا فى حاجة لبطل ينقذ الدولة ومن نظر لهم فى هذا الإطار لم يخرجوا عن كونهم أمنيين يريدون إعادة بناء النظام القديم ويهددون مصر بإعادتها للوراء فى مسار التحول الديمقراطى.
للجميع من حملة أوهام البطل المنقذ وبغض النظر عن تناقض أهدافكم وآمالكم ومخاوفكم، أقول: دعوا هذه الأوهام جانبا، فلا مكان لبطل منقذ فى الديمقراطية ولا مكان له إن أردنا تقدم مصر وليس عودتها للوراء.