الطلبة لـ«الإرهاب»: «يا أهلاً بالمدارس»
لم يعد ثمة مجال للخوف، على الرغم من الأنباء التى تتواتر بصورة شبه يومية عن قنابل يتم إبطال مفعولها، وسيارات مفخخة تنفجر حتى فى وزير داخلية البلاد نفسه، تهديدات باحتلال المترو، ووقف المواصلات، وتعطيل المرور، ومضايقة الشعب، وتضييق الأحوال لأقصى درجاتها، لم يبدو طلبة المدارس المصرية خائفين، على اختلاف أنواعها، حكومية كانت، أو خاصة، أو حتى أجنبية، فالكل خاض معنى الثورة، وهتافات التحرير لم تترك مكاناً للخوف فى قلوب غضة، ما زالت تخطو أولى خطواتها فى الحياة وسط الكثير من الترهيب والتخويف والتهديد.
أدهم أحمد، طالب فى مدرسة مصر 2000 الحديثة، يستعد لبدء عامه الثانى الإعدادى بجملة «مفيش مشكلة.. أكيد مش خايف»، يقطن وعائلته فى مدينة نصر، ويرى أن ما يجرى حالياً فى البلاد يُفقد أى شخص الإحساس بالأمان، لكنه ومع ذلك لا يرى أزمة: «شايف إن فيه أزمة لكن أنا نفسى مش خايف، اتعودت من أيام ثورة 25 يناير على كل دا، طلعوا علينا بلطجية وموّتوا سواقين عندنا، مرّينا بالظروف دى قبل كدا، فمابقتش أخاف، اتعودت خلاص على الكلام دا».
يستعد الطالب سامح محمد لتوديع الدراسة الأساسية هذا العام، حيث يدرس فى عامه الأخير بالثانوية العامة، مجهزاً نفسه بمجموع عالٍ يمكّنه من دخول الكلية التى يريد، فى طريقه من بيته بمنطقة المنيب إلى مدرسة رمسيس للغات فى الدقى، يضطر إلى ركوب المترو بصورة يومية، صحيح أن فترة الإجازة قللت من قدر المعاناة التى كان يعانيها خلال الحظر والزحام، لكنه الآن أصبح عليه خوض ما كان فى غنى عنه: «أنا باروح وآجى بالمترو، هو وسيلة المواصلات الوحيدة ليّا، وهو اللى شايل البلد كلها، حتى لما النقل العام عمل إضراب، المترو هو اللى أسعف الناس، لذلك شايف إن أى تهديدات لتعطيل المترو نهاية لأى حد يعمل دا، الناس مش هتسامح اللى يؤذيها، الألتراس لما نزلوا المترو وعطلوه الناس بدأت ما تتعاطفش معاهم».
لا يشعر سامح بخوف من عدم الذهاب إلى المدرسة هذا العام: «أكيد مفيش حد هيخاف، التهديدات ما بتخلصش، اتقالت كذا مرة قبل كدا، قالوا عصيان مدنى، رغم إنهم قالوا قبل كدا إن العصيان المدنى حرام شرعاً، دلوقتى بيناقضوا نفسهم فى كل حاجة، أنا واللى فى سنّى رأينا تقريباً واحد، وخوفنا أقل لكن أكيد اللى فى مراحل تانية زى ابتدائى هيكون خوفهم أكبر».
طالب السنة النهائية لا يخشى تهديدات التفجير والقتل، يراها بلا قيمة أمام مسألة أخرى أكبر وأخطر فى رأيه: «الخوف مش من التفجيرات والمظاهرات والكلام دا.. الخوف من المدرسين، لأن فيه مدرسين كتير جداً إخوان، همّ دول اللى ممكن يعملوا مشكلة حقيقية، لو مكانش بالكلام اللى بيقولوه للطبة، هيكون بامتناعهم عن العمل، ساعتها هيحصل شلل حقيقى فى الدراسة، ممكن يوقفوا الحركة التعليمية».
«قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا» يقولها سامح لنفسه، مطمئناً إلى عامه الجديد المفعم بالتهديدات والمخاوف، يقول: كل حاجة جايزة، القلق فى كل حتة، مش المترو بس، كذا مرة نشوف قنبلة تحت كوبرى ويبطلوا مفعولها، دى ردود فعل طبيعية من الإخوان كانتقام، الحل الأمنى بيولّد كتير من الانتقام، ناس كتير ماتت وناس كتير عايشة على قصة الانتقام، متوقع ناس تلبس أحزمة ناسفة وتدخل فى مؤسسات تفجّرها، حالة عامة من القلق عايشينها كلنا، كل محطة فى المترو تفتيش، أى حد راكب أو ماشى شكله غريب أو ماسك شنطة كبيرة شوية الناس بتبص له بخوف وارتياب».
مروان صبرى، طالب فى مدرسة أجنبية بمنطقة الزمالك، طالب بالمرحلة الإعدادية، لكنه يمتلك تحليل رجل فى الثلاثين من عمره، ينظر إلى جماعة الإخوان وأعوانها على أنهم فى النزع الأخير، لذلك يتوقع منهم القيام بأى شىء: «القلق موجود، لكن مفيش خوف، أنا عارف إن جماعة الرئيس المعزول هتحاول تعمل كل المحاولات اللى يقدروا عليها، لأنهم عارفين إنهم راحوا خلاص، فبيحاولوا يطلعوا بأى حاجة، لكن التهديد مش هايساعدهم إنهم يفضلوا فصيل سياسى موجود فى مصر بأى طريقة، شايف إن محاولاتهم صغيرة، وأعدادهم بتقل، ومش هيحصل حاجة إن شاء الله».
أمام مدرسة الليسيه التى عانت من آثار الحرق والتدمير، وقفت ملك مع خالد شقيقها الأصغر ووالدتها، حيث كان الحديث يدور حول إمكانية طلاء بعض من الرسوم المجاورة لسور المدرسة، والتى تحوى -بحسب والدة ملك- كلمات خارجة، مع تركيب باب حديدى جديد للمدرسة، كان النقاش حول الأزمات التى قد تنتج عن مسح بعض الرسوم، والدة ملك اقترحت أن ينزل أولياء الأمور بصورة جماعية لزرع أشجار حول المدرسة، ودهان سورها، لكن البعض قال: «لا نضمن ردود أفعال الشباب إذا ما قمنا بمسح أى من هذه الرسوم»، لكن ملك خرجت برد غير متوقع قائلة: «لا.. هنروح وهندهن المدرسة، وهم مش هيحرقوا مدرستنا تانى، ولو حرقوها يحرقوا نفسهم الأول، هننضف المدرسة غصب عنهم، إحنا جدعان ولا جبنا؟»
ملك عمر تستعد لدخول الصف الثالث الابتدائى، لا يتخطى عمرها 7 سنوات، لكنها شاركت منذ بداية الثورة مع والدتها فى الثورة، عقب الويلات التى قاستها الطفلة خلال العام الماضى بمدرستها التى احترق جزء كبير منها، تستعد بحماس كبير لدخول العام الجديد: بنشوف التليفزيون، فيه ناس بتهدد كل شوية، أنا مش خايفة خالص، ولا أصلاً هيعملوا حاجة، دول شوية ناس صغيرين، أنا أصلاً مش بحب الإخوان، عشان دايماً يطلعوا يهددوا، وأنا أصلاً مابخافش خالص، خالص، خالص، مش هيقدروا يعملوا لينا حاجة، معانا إحنا بالذات، إحنا شاركنا فى الثورتين وما خُفناش خالص، يعنى عادى، إحنا أصلاً كنا بننزل المظاهرات ونهتف ولا بنخاف ولا أى حاجة، مش خايفة».
فى نقاش جاد بين ملك وشقيقها خالد، البالغ من العمر خمس سنوات، يبدأ الحديث عن كيفية تمييز شكل الإخوان، تقول ملك: «الإخوان اللى بتشوفيهم هاتلاقيهم إخوان، لابسين جلابية، ومربيين دقنهم، خالد بيقولى علميهم، فى ناس باعرفهم إنهم إخوان، وفيه ناس ممكن ماعرفهمش».
اعتاد الصغيران خلال العام الماضى على وجود كمامات فى حقائبهما، بها فحم، مبللة بالخل، أضحى الصغيران على علم بمتطلبات الهجوم والهروب والشغب، وجودهم فى مدرسة الليسيه بجوار ميدان التحرير جعل مشهد المظاهرات بالنسبة لهم مشهداً يومياً.
خالد، ذو الخمس سنوات، تناديه عائلته بـ«السيسى الصغير»، فهو داعم تام للجيش، يستعد هذا العام لدخول «كى جى تو»، بصحبة شقيقته فى المدرسة ذاتها، يتصور الصغير أن جماعة الإخوان وأعوانهم سوف يهاجمونهم فى المدرسة، لكن خياله الخصب حضّر الكثير من أجلهم إذا مما تجرأوا واقتربوا من المدرسة: «الإخوان لو جُم كل واحد هادّيله بوكس خفيف هايقع على وشه من غير أى دم، ولا أى حاجة، ولو ضربونى هاخبطهم هايموتوا على طول، عشان لو جُم على المدرسة هاخلّى ماما تتصل بالبوليس عشان هى معاها نمرتهم وييجوا يقبضوا عليهم، أنا مش خايف، لو واحد إخوانى جه، أنا هاحضّر نفسى وأقلع الشنطة وأروح حاططها وأقعد أدّيله بالبوكسات فى وشه، وأمسكه من التيشيرت وأرميه من على باب المدرسة، أصل أنا لو شفت واحد إخوانى أنا أصلاً باكرههم، أصلاً، أصلاً، عشان همّ بيضربوا المدرسة، وبيضربوا الناس، كان نفسى الإخوان ما يعملوش حاجة فى المدرسة عشان أفضل قاعد فى المدرسة، لو عملوا مظاهرة قدام المدرسة مش هنقول غير كلمة واحدة: هى تمشى مش هنمشى، مش هنقول أى كلمة تانية غير الكلمة دى».
خيال الطفل الذى يتراوح ما بين الضرب والهتاف، يتخيل هجوماً متوقعاً من أنصار الجماعة، يقول: «أنا نفسى أعمل حاجات تانية، وهاجيب كل الناس، هاجيب المدرسين، وأصحابى اللى بيعملوا كاراتيه، وأجيب مدرب الكارتيه ونقوم هوب عليهم هوب هوب بيشو لحد ما يموتوا، وبعد كدا هنخش الفصل ونفضل قاعدين لو جالنا حد تانى إخوان هنعمل فيه كدا».
«أنا مش خايف، لكن مقدّر إن الموضوع فيه قلق» يقولها محمد مجدى، الطالب بالمرحلة الثانوية، والذى يعتبر نفسه طالب علم، واضعاً قدره بين يدى الله، يقول: «دلوقتى الواحد بيبقى ماشى مركّز فى اللى حواليه، لو شاف أى حد مريب بيتشاهد، أنا بقيت حاطط قلبى فى إيدى، لو مت هاموت شهيد عشان بتعلم، المسألة دى معوضانى عن أى خوف، وللأسف حاسس إن موضوع التهديدات هيطول لفترة الله أعلم هتفضل لحد أمتى».
يعد محمد العدة منذ الآن: «عامل احتياطى إنى يكون معايا كمامة، دى الحاجة االوحيدة اللى عملت حسابى فيها، لكن عارف إن ممكن يحصل أى حاجة، صحيح تاريخ مصر بيطمنّى وبيقول لى إن مصر كانت وما زالت فى أمان، لكن مع الإخوان وأعوانهم أنا مش مطمّن لأى حاجة، مش مآمن إنهم يفجروا أو يحرقوا أو يعملوا أى حاجة، مع ذلك أنا جاهز، وماقترحتش على ماما ولا هى كلمتنى فى إنى ماروحش المدرسة، أنا لازم أنجح وأذاكر بس عشان مصر، ماليش أى علاقة بتفجير ولا مش تفجير ولا إرهاب مهما عملوا، لو مكتوب لى أموت هاموت وانا فى البيت، مش فارقة معايا».
اخبار متعلقة
«الوطن» ترصد مشاعر تلاميذ مصر.. ورسائلهم لـ«الكبار» استعداداً لأول يوم دراسة: مش خايفين
طلبة المدارس يتحدون إرهاب «الإخوان وشركائهم»: «هانروح مدارسنا.. ومعانا ربنا»
أبناء شهداء الإرهاب: «مفيش حاجة اسمها خوف»
تلاميذ «رابعة»: «هنلبس جديد ونروح المدرسة علشان نتعلم»
«حبيبة» صاحبة قصيدة الخروف: «أخشى إرهاب المدرسين أكثر من إرهاب الإخوان.. ومصر هتعدى من محنتها»
تلاميذ المحافظات: «لو حسينا بخوف هنغنى تسلم الأيادى»
تربويون: «2013» سيكون أنجح الأعوام الدراسية
وزير التعليم: أفدى طلاب مصر برقبتى
94 ألف مجند أمن مركزى و«دوريات» لتأمين المدارس
«فارس» ضحية الإرهاب: «أنا مش خايف وراجع مدرستى»