تخوض أجهزة الأمن المصرية معارك ضارية فى مواجهة الجماعات الإرهابية، كما تواجه مسئوليات كبرى فى تأمين البلاد فى ظل حالة من التوتر الشديد والمواجهات الساخنة على امتداد ثلاث سنوات تقريباً منذ ثورة 25 يناير، وتتميز الفترة من 30 يونيو 2013 حتى الآن بوضعية خاصة، فقد كانت الاعتصامات التى نظمها الإخوان المسلمون وخاصة فى رابعة والنهضة عبئاً ثقيلاً، كما أن المسيرات التى ينظمونها فى كل أرجاء البلاد منذ عزل الدكتور محمد مرسى لا تنقطع، وهناك محاولات مستمرة لإشاعة الشلل فى البلاد تارة عن طريق تعطيل حركة المرور وتارة أخرى بمحاصرة منشآت حيوية. وسقط العديد من الشهداء من رجال الشرطة، عدد غير قليل منهم من كبار الرتب آخرهم اللواء نبيل فراج مساعد مدير أمن الجيزة. وقد تأثرت كثيراً عندما شاهدت أحد الضباط من حرس وزير الداخلية أصيب فى محاولة اغتيال الوزير، كان يقول بمرارة (نحن ندافع عن مصر ويقولون عنا الشرطة بلطجية، والله العظيم إحنا مستعدين نقدم أرواحنا فداء للبلد دى وفداء للشعب). تعكس هذه الكلمات من الضابط الشاب وضعا صعبا تواجهه الشرطة المصرية. فهى من جانب قد ورثت تراثاً سلبيا من ممارسات سابقة لقيادات سخرت نفسها لخدمة النظام الحاكم وأمنه السياسى على حساب دورها التقليدى فى تحقيق أمن المجتمع وحماية المواطنين. وهى من جانب آخر تعانى من أساليب قديمة فى ممارسة المهنة بما يسىء إلى المواطنين. وتواجه الشرطة المصرية الآن امتحاناً صعباً أرجو أن تجتازه بنجاح وأن تثبت فى الممارسة أنها قادرة على تجاوز سلبيات الماضى، خاصة أن رجال الشرطة أثبتوا بالفعل خلال الفترة الأخيرة إخلاصاً لمسئولياتهم وقاموا بدورهم فى مواجهة التحديات الجديدة وقدموا مئات الضباط والجنود شهداء للوطن وآلاف المصابين. وكان لهم دور مشهود فى مواجهات عديدة آخرها دخول قرية دلجا وكرداسة وناهيا بأقل خسائر بشرية من الجانبين.. ومن حق رجال الشرطة أن نقدر لهم هذا المجهود وهذه التضحيات وأن نترحم على شهدائهم الذين قدموا أرواحهم عن رضا من أجل مصر وشعبها. وأن نسعى باستمرار لتزويدهم باحتياجاتهم من المعدات والأسلحة، وتوفير كافة الإمكانيات لهم.
من واجبنا فى نفس الوقت ألا نتجاهل الجانب الآخر من الصورة وهو علاقة أجهزة الأمن بالمواطن، والتى يجب أن تقوم على أسس جديدة تنطلق من الالتزام بالقانون وحماية حقوق الإنسان وهو ما يتطلب إعادة تأهيل رجل الشرطة للتعامل مع المواطن وفق هذه الفلسفة الجديدة على العكس من الفلسفة القديمة التى عبر عنها أحد كبار رجال الشرطة فى محافظة البحيرة بفجاجة عندما قال «إننا لن نعود إلا بعد أن يقبلوا الأحذية ويعترفوا بأننا أسيادهم»، وهناك أيضاً واجب الحذر من عودة الدولة البوليسية نتيجة لطول المواجهة مع الإرهاب، حيث يؤدى ذلك إلى إطلاق الحرية لأجهزة الأمن للتعامل مع الإرهابيين بما تتطلبه المواجهة من التحرر من القيود القانونية، وتدريجياً تتعود أجهزة الأمن على تجاوز القانون تحت ضغط أن أى تهاون فى مواجهة الإرهاب يكلفهم أرواحهم. وقد ذكرت للسيد رئيس الجمهورية فى لقائه مع رؤساء الأحزاب أنه توجد شواهد عديدة تجعلنا نخشى عودة الدولة البوليسية وأننا يجب أن نواجه هذا الاحتمال بكل قوة، من هذه الشواهد عمليات القبض العشوائى على مواطنين واتهامهم ظلماً بأنهم من الإخوان المسلمين وأنهم كانوا ضمن المتظاهرين غير المسلمين، وهناك أيضاً مد حالة الطوارئ، وتغيير أحكام الحبس الاحتياطى، وإساءة معاملة المحبوس احتياطياً. ويتطلب الحرص على الحيلولة دون عودة الدولة البوليسية العمل بكل جدية من أجل إعادة تأهيل رجال الشرطة وفق فلسفة جديدة تقوم على العمل فى إطار القانون مهما كانت صعوبة الموقف، ورفع مستوى التدريب بحيث يمارس رجل الشرطة دوره بأقل خسائر بشرية فى الجانبين، جانب رجال الشرطة وجانب المواطنين، وتزويد أجهزة الأمن بأحدث الأسلحة والمعدات التى تكفل لهم القيام بواجبهم بأعلى قدر من الكفاءة.
إن النظرة المنصفة لأجهزة الأمن فى مصر تدفعنا إلى رؤية ما لهم وما عليهم، وأن نقدر لهم تضحياتهم ونسعى فى نفس الوقت إلى حماية المواطن من أى تجاوز.