إذا أردنا أن ننقذ هذا البلد من الانهيار والفوضى، فليس أمامنا طريق آخر غير العمل والتفكير طبقاً لأجندة محددة أو خطة مدروسة لا تصرفنا عنها أى أحداث طارئة. بمعنى آخر: ليس هناك أخطر من أن يجرك خصمك إلى معارك طارئة وأن يحدد لك أيضاً الأرض التى تتحرك فيها، وأن يفرض عليك أجندة تخصه حتى يشغلك تماماً عن التحرك خطوة واحدة إلى الأمام، وعن مواجهة قضاياك الأكثر أهمية فتكون النهاية المحتومة هى الانهيار والفوضى. وما يحدث فى مصر منذ خلع الرئيس الإخوانى وإسقاط نظامه الفاشى لا يكاد يخرج عن هذا المخطط الجهنمى الذى فرضه الإخوان علينا؛ فنحن على كل المستويات لا نكاد نفعل شيئاً غير انتظار ما سوف تفعله بنا ميليشيات الإخوان المسلحة ومسيراتهم التى تهدد بقطع الطرق وتعطيل المترو وشل حركة المرور وإحداث فوضى فى المدارس والجامعات. ومع كل مسيرة يعلن عنها الإخوان ومع كل جمعة خطيرة يروجون أنها ستكون الحاسمة، تستجمع الدولة كل قواها فى اتجاه التصدى لهذه الجُمَع وهذه المسيرات التى اتضح أنها مجرد أشياء تافهة لا تستحق أن تتعطل من أجلها كل الأجهزة الأمنية فى الدولة، ولا أن نترك كل قضايا الحياة الأكثر أهمية دون أدنى تقدم. لقد نجح الإخوان إذن فى فرض أجندتهم الخاصة علينا جميعاً، وهى أجندة تتوزع إلى عدة مستويات فى وقت واحد، المستوى الأول يتمثل فى إرهاق كل أجهزة الدولة واستنفاد طاقتها فى ملاحقة إرهابهم المحتمل أو الحقيقى، والثانى يتمثل فى شغل قطاع من الدولة فى تفاهات الحوار والمصالحة وعدم الإقصاء، والثالث يتمثل فى تأليب الرأى العام العالمى ضد مصر، والرابع يخطط لإرهاب الأمهات داخل البيوت بحكايات القنابل التى يتم العثور عليها إلى جوار المدارس. أما أخطر مستويات هذه الأجندة الخاصة فيتمثل فى شغل كل الفضائيات والصحف المصرية بأخبار وتقارير وصور وحوارات الإرهاب والمطاردات والمداهمات، حتى يظن أى مشاهد عربى أو أجنبى أو مصرى لا يعيش فى مصر أننا أمام دولة فى حالة حرب أو على الأقل فى الطريق إلى حرب مدمرة. وقبل أيام، توقف أستاذ الإعلام المعروف، الدكتور سامى عبدالعزيز، فى لقاء له على فضائية «القاهرة والناس»، مع الزميل أسامة كمال، أمام هذا الفخ الذى انقدنا إليه ونحن غافلون، وناشد الخبير الإعلامى كل الفضائيات أن ترفع شعار «مصر ضد الإرهاب» من على كل برامجها وأن تنتقل فوراً إلى شعار آخر هو «مصر تتحرك نحو المستقبل» أو «مصر تنطلق إلى الأمام». وقد نبّه الدكتور سامى عبدالعزيز كل الإعلاميين إلى خطورة التوقف أكثر من ذلك عند قضايا الكر والفر بين الدولة والإخوان، وانتقد بشدة أداء حكومة الدكتور الببلاوى التى وصفها بأنها من أكثر حكومات مصر حظاً فى الدعم الشعبى والعربى ومساندة الجيش والشرطة والقضاء والإعلام.. ورغم ذلك لم تتحرك بالحالة الاقتصادية أو الاجتماعية للمواطنين خطوة واحدة إلى الأمام. والمطروح الآن هو أن نفكر ونعمل ونتحرك طبقاً لأجندة تخصنا دون أدنى اعتبار لكل ما يشيعه الإخوان عن قوتهم واستعداداتهم وتحركاتهم؛ فلدينا أجهزة تستطيع أن تتصدى لهذا الإجرام بالقانون، وأن ترد كيد هذا التنظيم الماسونى إلى نحره، وعلى بقية الأجهزة فى كل وزارات مصر أن تفيق من هذه الغيبوبة وأن تتخلى عن ارتعاش كبار موظفيها وأن تتخذ قرارات فورية وتتابع تنفيذها بدقة شديدة، قبل أن يدهمنا جميعاً الوقت بكل ما يحمله من طوفان مواجع الناس وأمراضهم وفقرهم وبطالتهم ومظالمهم، وبكل ما يحمله من تدنى قطاع الخدمات فى الصحة والتعليم والمواصلات والطرق وشبكات الرى والصرف ومياه الشرب، وهذا هو تحديداً ما يراهن عليه الإخوان الذين يعرفون جيداً أن هذا الشعب لن ينتظر طويلاً حتى تدفعه الأحوال المعيشية إلى الانتفاض مرة أخرى، وساعتها سيعرف الإخوان كيف يندسون بين الغاضبين ويغرقون البلد فى الدم والحرائق والتخريب والدمار. فهل نعى الدرس جيداً وننطلق بعيداً عن الفخ قبل فوات الأوان؟!