كلما لاح فى الأفق ضوء جديد يبشر بخروجنا من ظلام هذه المرحلة المرتبكة، سارع حزب «النور» السلفى إلى إطفاء هذا الضوء بطرق ملتوية، ليظل المشهد السياسى المصرى غارقاً فى اضطراب عميق، يتيح لهذا الفصيل السياسى -الأكثر خطورة من الإخوان- ترتيب كل أوضاعنا لصالحه، والسيطرة مرة أخرى باسم الدين على القرى والنجوع والأحياء الشعبية، واستخدام الناس فيها للتصويت فى الانتخابات البرلمانية لـ «الله» ضد «الشيطان» أو لـ«الإسلام» ضد «العلمانية».
فها هو نادر بكار، القيادى بحزب النور، يصرح أمس بأن حزبه يرحب بإعلان الإخوان «إلغاء الحشد فى التحرير خلال إجازة عيد الأضحى حقناً للدماء»، وبعد هذا التصريح بدقائق يتحدث شريف طه، القيادى بحزب النور أيضاً، مع وكالة أنباء الشرق الأوسط ليضع السم فى العسل بقوله: «إن التظاهر السلمى رغم كونه حقاً مشروعاً يجب على الدولة حمايته ومنع الصدام بين المتظاهرين ومن يتم وصفهم فى الإعلام بالأهالى، فإنه ليس الحل للخروج من الأزمة التى نعيشها».
هل لاحظتم التدليس الواضح فى جملة «الصدام بين المتظاهرين ومن يتم وصفهم فى الإعلام بالأهالى»؟. وهل لاحظتم المعنى الذى يقصده شريف طه من التشكيك فى أن الذين يتصدون لمظاهرات الإخوان من الأهالى؟
المؤكد أن الرجل يتعمد هذا التشكيك حتى يحظى حزبه برضاء القاعدة الانتخابية للإخوان التى تصدر للعالم أن الأجهزة الأمنية وحدها هى التى تتصدى لهم، وأن الشعب يؤيدهم أو على الأقل يقف على الحياد بينهم وبين «الانقلابيين».
ولكن خطة «النور» لاختطاف الوطن كله تبدو أكثر وضوحاً فى دعوة الحزب أعضاءه لاستغلال إجازة العيد فى الحشد ضد لجنة الدستور فى حال المساس بمواد الهوية، كما تبدو أكثر انتهازية فى الدعوة «لتكثيف الجهود استعداداً للانتخابات البرلمانية المقبلة والانتشار فى الأعمال الخدمية». واللافت أيضاً أن يونس مخيون، رئيس حزب النور، طالب قيادات الحزب بالتواصل مع القواعد فى المحافظات وإقناعهم بأن «النور» يوجد فى لجنة الخمسين المكلفة بوضع الدستور بهدف الحفاظ على مواد الهوية، وحتى لا يتم تمرير دستور علمانى يمحو الهوية الإسلامية.
هذا هو مجمل ما يفعله حزب النور فينا جميعاً، يتظاهر بأنه مع ثورة 30 يونيو التى اندلعت بسبب الدستور المشوه والغادر والطائفى الذى كتبوه مع الإخوان، ويمرر رسائل انتهازية لقواعده وقواعد الإخوان يؤكد فيها أن الذين يتصدون للمظاهرات ليسوا من الأهالى، ثم يتقدم خطوة واسعة نحو الفوضى بالدعوة إلى الاحتشاد فى الميادين رفضاً لإلغاء مواد الهوية فى الدستور، والأهم أنه يطلب من قواعده الانتشار بكثافة فى مجال الخدمات تمهيداً لشراء أصوات الغلابة مقابل هذه الخدمات.
إنه السيناريو ذاته الذى اتبعه الإخوان لسرقة أصوات الناس، وتزييف الوعى بالانتخابات وتصويرها كما لو كانت معركة بين الإيمان والكفر، أو بين الناس «بتوع ربنا» والناس «بتوع الشيطان»، وهو كما ندرى سيناريو شيطانى يطيح بكل أحلامنا فى دستور يجرم استخدام الدين فى السياسة، ويجرم قيام هذه الجماعات بتقديم الخدمات للبسطاء بدلاً من الدولة، لأن من يقدم الدواء والأكل للناس يملك أن يقبض عليهم ويقيم عليهم الحدود كما يفهمها، دون أدنى اعتبار لكل سلطات الدولة.
وأخيراً، هل يملك حزب النور «ذلة» على الدولة، حتى تغمض أعينها عن دوره الكارثى فى المشهد السياسى؟!