فى الصباح كان الأسطى أحمد ينتظرنى ليقلنى إلى مطار القاهرة الذى سأستقل منه الطائرة فى رحلة غريبة وقدرية إلى غانا. أنا الرجل الذى لا يكتب فى الرياضة بالمرة، أتلقى دعوة من فودافون للسفر إلى غانا وحضور ذهاب مباراة الحلم بين مصر وغانا، فى كوماسى، معقل الأشانتى، وأنا نفس الرجل الذى لم يشاهد مباراة واحدة فى استاد القاهرة، وكل ما يربطنى بالملعب لعبى كـ«ثيرد باك» فى مركز شباب الشرابية فى مرحلة ما قبل الترهل فى الجسم والعقل، ومع ذلك أجد ما يدفعنى دفعاً للقبول، وتحمل تطعيمات الكوليرا والطاعون والحمى الشوكية والحمى الصفراء، ودواء الملاريا الذى أكد لى الزملاء أنه تسبب لهم فى كوابيس، فلا كابوس أبشع ولا أطول مما مر بنا الأعوام الثلاثة الأخيرة، كما أن صحبة جميلة مع عمر طاهر كفيلة بخلق حالة مختلفة فى الكتابة، إضافة إلى ذكريات معرفة اقتربت من الخمسة عشر عاماً كانت الرحلة فرصة لكى نتذكرها ونخترع ذكريات جديدة تصلح لزمن قادم (رحلة الطائرة 6 ساعات إلى أكرا، ثم 6 ساعات أخرى إلى كوماسى)، وما بين تعليقات صديقى الجميل أحمد عويس، ودأب زميلنا أحمد عبدالباسط، وباقة محترمة من زملاء أفاضل شرفت بمعرفتهم فى رحلة لمجاهل أفريقيا، لم أستطع أن أنسى موقف الأسطى أحمد فى الصباح.
كان الرجل عائداً بابنته من المستشفى فى وقت متأخر بصحبة زوجته حين بدأ الحظر، ولأن حظر ميدان جهينة (رخم) بمعنى الكلمة تعطل الأسطى أحمد، ونزل ليتحدث مع الضابط، وقال له: ده الحمد لله أن البنت خفت، أمال لو كانت بتموت ماكنتوش هتعدونى برضه؟؟.. يقول عم أحمد أن الضابط رد عليه: تموت فى بيتها أحسن ما تموت فى الحظر، لكن ليس هذا هو ما أريد أن أحكيه بالمناسبة، ما أود الإشارة إليه هو أن الأسطى أحمد بعد أن انتهى من الحكاية رن هاتفه بأغنية تسلم الأيادى!!
* فى مطار القاهرة الدولى كان السؤال: هنفطر إيه؟؟، وطرح عمر طاهر سؤالاً وجودياً لا بد من البحث عن الإجابة عنه: لماذا لا يوجد مطعم فول وطعمية فى المطار؟؟ الفول والطعمية أكلة مصرية، والمسافرون سيحبون ذلك، وكذلك مسافرو الترانزيت، كما أن فكرة أن ترد على سؤال زوجتك: فطرت إيه؟؟ بالجواب المذهل: «برجر كنج» كفيلة بأن تراجع تاريخك مع الأكل نفسه، وكفيلة بمراجعة زوجتك نفسها لثباتها الانفعالى.
* أقلعت الطائرة فى موعدها.. التاسعة صباحاً.. لكن بالنسبة لى كان غريباً أن تكون الطائرة متجهة فى الأساس إلى أبيدجان فى كوت دى فوار، وستتوقف فى غانا، والأغرب أن قائد الطائرة طلب من ركاب أبيدجان ألا ينزلوا من الطائرة، لأنها ستكمل بهم بعد نزولنا فى معادل جوى رائع لقطار أسوان الذى يأتى من الإسكندرية!!!
* فى الست ساعات (رحلة الطائرة) كانت الأماكن ضيقة، أما أحمد عويس فلأنه من محترفى السفر الأفريقى فى تغطياته لمباريات المنتخب والأندية المصرية فقد اختار المقاعد الأخيرة التى لا يجلس فيها أحد، وهكذا أصبح يملك ثلاثة مقاعد استخدمها فى النوم ومشاهدة فيلم باركر لجيسون ستاثام، وما بينهما الأكل أو رمى الإفيهات أو الابتهال إلى الله أن تحط الطائرة لتفاجئنا بالوصول قبل أن تحط علينا لعناتنا لطول هذه الرحلة.
* وصلنا أخيراً لأكرا عاصمة غانا. الزحام شديد، والكل ينظر لك بدهشة ولسان حاله: ما الذى جاء بهؤلاء إلى هنا، لكن بعد قليل بدأت الإفيهات، فكلهم يشيرون لنا بعلامات خمسة أو ثلاثة وكأنهم سيهزموننا بهذه النتيجة، وهم يبتسمون فى تفاؤل شديد، وحمدت الله أن أحداً لم يشر لنا بعلامة (أربعة) قبل أن تنقلها «الجزيرة» أو «رصد» على أنها تأييد من الإخوان الغانيين لرابعة العدوية.
* لم يستطع عمر أن يبدل عملة مصرية من مطار القاهرة. رفض البنك أن يعطيه أكثر من 100 دولار.. الغريب أن عمر استطاع أن يفعل ذلك فى غانا!!! أعطاهم (فلوس مصرى) وقبض (دولارات) بزيادة وصلت لـ50% تقريباً.
* الناس فى أكرا يبتسمون فى وجهك. ناس طيبين أوى يا خال. لكنهم يؤكدون أنهم سيكسبون، ويعرفون أبوتريكة جيداً، لكن من قال إن تريكة سيعرفهم فى المباراة (ضحكات متقطعة شريرة).
* اليوم وقفة عيد الأضحى.. كل سنة وأنتم طيبون من غانا، وغداً المباراة، ربما سأحكى لكم ما حدث حتى نصل لتلك اللحظة.