كلما راجعت نفسى لأقف على أهم أسباب فرحى بثورتى 25 يناير 2011 و30 يونية 2013، أكتشف كل مرة أن أقوى دواعى الفرح بالثورتين بالنسبة لى، تمثلت فى تصورى أن مصر ستشهد غروباً تدريجياً لفظاعات التعذيب فى أقسام الشرطة، وأنها ستشهد إصلاحاً تدريجياً لمنظومة التعليم، خصوصاً التعليم الخاص، والمثير حتى الآن فى أحوال البلاد والعباد أن ظاهرة التعذيب فى أقسام الشرطة وإهدار كرامة المواطنين على أيدى الضباط والأمناء قد تراجعت لأسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا، ولكنها فى الواقع تراجعت إلى حد كبير، فى الوقت الذى كنا نظن فيه أنها ستحتاج إلى عقد كامل قبل أن تغرب عن حياتنا.
على العكس من ذلك تماماً، تحولت منظومة التعليم الخاص فى مصر إلى «مؤسسة مافياوية» متوحشة، تمارس أقسى وأحط ألوان الاستغلال والتعذيب للأسر، التى ما زالت ترى فى التعليم الجيد أهم وسائل الترقى فى الحياة، وتحلم بمستقبل أفضل لأبنائها، وتنحت فى الصخر لتوفير نفقات هذا التعليم، وبعد انهيار التعليم العام فى مراحل التعليم الأساسى، اتجهت شريحة واسعة من الطبقة المتوسطة إلى المدارس الخاصة، واحتمل ملايين الآباء والأمهات مشقة العمل المتواصل فى أكثر من وظيفة، لدفع رسوم الدراسة ورسوم «الباص» وثمن الملابس ومقابل الأنشطة والرحلات، ليكتشفوا بالتدريج أن هذه المدارس ليست أكثر من «دولاب ملفات»، ينتقل داخله ملف التلميذ من رف إلى رف حتى يغادر المدرسة بلا تعليم ولا تربية.. وأن عبء التعليم بكامله تمت إزاحته تدريجياً على البيوت.
الفظيع فى الأمر، أننى قضيت سنوات طويلة، وما زلت، أتصل بمديرى وأصحاب مدارس أولادى، لأشكو من ضخامة الشنطة المدرسية التى يترنح تحت ثقلها، الكافر، كل أطفال المدارس الخاصة، وأشكو من جلافة وانحطاط أخلاق سائقى الباصات المدرسية، وأشكو من الإهمال المروع الذى يعرض حياة أطفالنا للخطر، وأشكو من إصرار مدرسى المواد على حمل الأطفال لكل كتب المادة، مهما كان عددها، رغم عدم وجودها فى الجدول، وأشكو من عدم التزام المدرسة بقرارات الوزارة عن عدم زيادة رسوم الدراسة أو رسوم الباص.. بعد سنوات من هذا العناء دون جدوى، استسلمت مثل غيرى للأمر الواقع، باستثناء شىء واحد أخطرت به مديرى مدارس أولادى، وهو أننى لن أتراجع عن أخذ ثأر أولادى بيدى، إذا -لا قدر الله- فقدت أحدهم تحت عجلات الباص أو سقط فى بالوعة مجارى، أو صعقه سلك كهرباء مكشوف داخل المدرسة، ومرة كنت أتحدث مع صاحب مدرسة يحج كل عام، ويعتمر مرتين فى العام، عن «الباص» الذى يتعامل سائقه برعونة تهدد حياة الأطفال، ويتعمد تغيير خط السير ويدخل مناطق غير آمنة، ليصل بسرعة إلى المدرسة، أو يتخلص بسرعة من الأطفال، ليلحق دوره فى المواقف العشوائية للميكروباص.. ولاحظت أن المدير لم يندهش مما قلته ولم يبد أى استعداد لوقف هذه المهزلة، فأقسمت له بالله فى نهاية الاتصال أننى سأقتله وأقتل كل عائلته إذا تعرض أحد من أطفالى لأى خطر.
أعرف أن أخذ الثأر بهذه الطريقة ليس مشروعاً على الإطلاق، ولكن الفساد المُصفح والغادر والكافر فى المدارس الخاصة أصبح فوق الطاقة.. بعد أن تحصن من أى مساءلة، بسبب الإتاوات الشهرية لكبار المسئولين عن التعليم خلال عقدين كاملين، وقبل أيام وضعت نفسى مكان الأب الذى فقد طفله فى بالوعة مجارى مفتوحة فى مدرسة خاصة بأسيوط.. فإذا بى أمتلئ مرة أخرى بهذه القناعة غير المشروعة، وأفكر مئات المرات فى قتل كل المسئولين عن هذا الإهمال الإجرامى، الذى حطم أسرة كاملة دون أن يبالى.. أما المحافظ الذى أصدر تعليمات مشددة بإصلاح منظومة الصرف الصحى فى المدارس فلن يستحق منى غير أن أقيده وألقى به فى بالوعة مجارى، لأنه يعرف جيداً، أن الحل الوحيد يكمن فى تفكيك وتدمير منظومة الفساد المُصفح بين الإدارات المحلية ومسئولى التعليم وأصحاب المدارس الخاصة.