س: ما الذى يفعله باسم يوسف؟
ج: «باسم» يقدم نوعاً من الإعلام الساخر.
س: وما طبيعة هذا العمل؟
ج: الإعلام الساخر ليس تحليلاً أو أخباراً، ولا يفترض فيه التوازن أو الحياد أو الدقة. هو نوع من التعبير عن الرأى بشكل حاد وصارخ. يعتمد هذا النوع من الأداء الإعلامى على المبالغة الشديدة، والتكرار، وقلب المواقف، واللعب على التناقضات الصارخة. انتزاع الضحكات من الجمهور هو هدف أساسى من أهداف الإعلامى الساخر، لكن الانطواء على قيمة ومغزى ومعنى مسألة مهمة أيضاً، وإحداث التوازن بين الفكاهة وخفة الظل من جانب والعمق والقيمة من جانب آخر هو مناط المنافسة ودليل التفوق والإجادة فى هذا الصدد. وأعتقد أن «باسم» يبلى بلاء حسناً على هذا الصعيد.
س: هل ما يقدمه «باسم» جديد على الواقع المصرى؟
ج: لا ليس جديداً على الإطلاق إذا تحدثنا عن المفهوم، لكنه جديد تماماً إذا تحدثنا عن «التكنيك»، وطريقة العرض، وطبيعة الإنتاج. ما يفعله «باسم» قريب من صنعة «الأراجوز»، الذى ازدهر فى مصر فى أواخر العصر المملوكى، وقد جسد عمر الشريف دور «الأراجوز» فى شريط سينمائى ساحر يحمل الاسم نفسه، حيث قدم «أراجوزاً» يُسخّر نفسه لنقد السلطة وفضح مفاسدها. لقد كنا نفعل هذا أيضاً ونحن صغار. فى سبعينات القرن الماضى، كنا نسخر من الرئيس السادات مثلاً عبر «أهازيج» أو «طقطوقات» أو «نكت» أو «أغانٍ» فى الأحياء الشعبية، لكن تلك السخرية لم تجد طريقاً أبداً إلى وسائل الإعلام. لقد «مات حارس البوابة الإعلامية»، وبالتالى لم تعد هناك قدرة على منع مثل تلك السخرية، التى يمكن أن تجد طريقها إلى الجمهور عبر وسائط «الإعلام الجديد»، فضلاً عن صعوبة اتخاذ إجراءات قمعية بحق الإعلاميين والفنانين مقارنة بما كانت عليه الأوضاع قبل عقود.
س: ألا ينطوى ما يقدمه «باسم» على تجاوزات غير مقبولة؟
ج: ينقسم الناس حول ما يقدمه «باسم». البعض يراه مقبولاً ومطلوباً وعظيماً، والبعض الآخر يراه متجاوزاً ومنفلتاً وساقطاً، بل إن هناك من يرى أن «باسم» نفسه «خائن» و«عميل» و«أرزقى سافل»، فى مقابل من يراه «بطلاً» و«ناقداً اجتماعياً وسياسياً عبقرياً». لكن الجميع يتفقون على شىء واحد؛ هو أهمية ما يفعله «باسم»، ورواجه، ونجاحه فى اجتذاب الجمهور، وتصدره قائمة الإعلاميين المؤثرين لجهة الشهرة والأجر والنفوذ. لو لم يكن «باسم» مهماً لما امتلأت الدنيا بما فعل، ولما انشغلت به الناس، ولما كُـتب عنه مئات القصص الصحفية والمقالات فى صحف رئيسية فى العالم.
س: لماذا ينقسم الناس حول «باسم» وبرنامجه، إذا كان يتمتع بهذا القدر المعترف به من النجاح والانتشار والرواج؟
ج: الرواج لا يعكس قيمة فى حد ذاته. وهناك سبب آخر أهم يتعلق بحالة التلقى. المصريون الآن فى حالة استقطاب حادة، والأعصاب مشدودة ومتوترة، والجميع يُقّيم الأمور من جانب واحد يتعلق بمدى اتساقها مع رأيه السياسى. الانقسام حول «باسم» لم يكن فنياً كما يرى البعض، لأن الجميع يبدو متفقاً على براعته، وليس أخلاقياً كما يرى البعض، لأننا «نبلع» ما هو أسوأ من هذا وأكثر تردياً، ولكنه انقسام سياسى، فالكل يريد «باسم» «معه» وليس «عليه». الأمر أشبه بعلاقة مجتمع متوتر ومحافظ ومشدود براقصة غجرية وموهوبة وسيئة السمعة.. الجميع يطعن فى «انفلاتها» و«تجاوزاتها الأخلاقية»، لكن الجميع معجب بفنها ودلالها وغنجها، ومنجذب لها، ويريد أن ينال حظه منها.
س: كيف نحاسب «باسم» من الناحية المهنية؟
ج: بوصفه إعلامياً يقدم حصة إعلامية، فلا بد من أن تكون هناك قواعد لمحاسبته، رغم إقرارنا بأنه يقدم نوعاً خاصاً من الأداء، لا يفترض فيه توافر أى من قيم العمل الإعلامى الرشيد مثل التوازن والحياد والدقة. أولاً: هناك ضرورة لتجنب خرق القوانين النافذة فى مثل هذا النوع من الأداء، وثانياً: يجب أن يفصح مثل هذا البرنامج عن طبيعته وكونه ساخراً وليس برنامج أخبار أو أحداث جارية، وثالثاً: يجب أن يحظى مثل هذا البرنامج بتأييد علنى من قطاع مؤثر فى الجمهور، ورابعاً: أن ينطوى على جهد إبداعى خاص ومميز.
س: وما موقف «باسم» من هذه القواعد الأربع؟
ج: ستحدد المحاكم ما إذا كان «باسم» اخترق قانوناً نافذاً من عدمه، وقد أفصح بوضوح عن طبيعة برنامجه، وهو بالتأكيد ينطوى على جهد إبداعى خاص ومميز، ويتبقى بعد ذلك أن يحافظ «باسم» على «تأييد علنى» من قطاع مؤثر من الجمهور، وهو أمر لا يبدو بعيداً عن الأحكام التى ستصدرها المحاكم.
س: وما الذى يجب أن نفعله نحن إزاء ما يقدمه «باسم»؟
ج: أن نشاهده إذا كنا من المعجبين بما يقدم، وأن نمتنع عن مشاهدته إذا كان يزعجنا أو لا يحصل على إعجابنا.
س: وما الذى يجب أن تفعله السلطة؟
ج: أى شىء باستثناء قمع «باسم» أو إيقاف برنامجه. لأن المقارنة ستكون فى غير صالحها تماماً، وستكون مكلفة جداً، إذا ما تم ذكر أن نظام مرسى لم يغلق برنامج «البرنامج».
س: وما الذى يجب أن يفعله من يتضرر مما يقدمه «باسم»؟
ج: أن يرفع عليه قضية، أو يطلق حملة لمقاطعة برنامجه، أو يفعل أى شىء قانونى يفهم «باسم» منه أنه «يفقد تأييد القطاع المؤثر من الجمهور».
س: وما الذى يجب أن يفعله «باسم»؟
ج: أن يفهم الإطار القانونى «الجديد» الذى بات يعمل فيه. وأن يراقب ردود الفعل من الجمهور على ما يقدمه. وأن يعرف أن «الاستمتاع» بفن الراقصة الغجرية البراق، لم يحل أحياناً دون إهانتها وطردها من القرية، وأن يقوم بتعديل المحتوى الذى يقدمه، ليكون أكثر انسجاماً مع الإطار القانونى «الجديد»، وأكثر إرضاء للقطاع المؤثر فى الجمهور، دون أن يتخلى عن طاقة الإبداع التى ينطوى عليها.
س: وما أسوأ ما يمكن أن يفعله «باسم»؟
ج: أن يعتقد أنه أكثر من «إعلامى ساخر»، يقدم محتوى لجمهور محدد، فى إطار محدد، ويرجو الاستدامة والرواج.