فاجأ الرئيس الفنزويلى «نيكولاس مادورو»، العالم كله يوم الخميس الماضى بخطاب قوى، أعلن فيه أن سلطات بلاده اعتقلت أكثر من مائة رجل أعمال يقفون وراء زيادة الأسعار فى فنزويلا.. وكان المثير فى خطاب الرجل أنه استخدم العبارات الحقيقية لوصف كبار رجال الأعمال فى بلاده: «إنهم همج، ورأسماليون طفيليون يحققون أرباحاً تصل إلى 1000٪»، وقبل أن يستوعب مركز «الرأسمالية المتوحشة» فى أمريكا هذه الصدمة، أعلن «مادورو» أيضاً أن حكومته تعد قانوناً يضع حداً لأرباح الشركات الوطنية والشركات الأجنبية فى فنزويلا يتراوح بين 15 و30٪ فقط.
وخلال خطابه لم يخش الرئيس الفنزويلى من ضرب أمثلة صارخة عن «الهمج الطفيليين» وتوقف طويلاً أمام شركة «جوديير» الأمريكية، عملاق صناعة إطارات السيارات، التى حاولت الانحناء قليلاً أمام عاصفة الغضب الشعبى فى فنزويلا ضد جحيم ارتفاع الأسعار، فسارعت إلى تخفيض سعر إطاراتها 15٪ فقط، ولكن «مادورو» رفض هذا التخفيض بقوله: «إنه ليس كافياً.. أنتم تنهبون المواطنين»، ثم أصدر أمراً خلال الخطاب للجهات الرقابية المعنية بأن ترسل المفتشين إلى هذه الشركة؛ لتقدير تكلفة الإنتاج وعدم السماح لها بأن تكسب أكثر من 30٪.
قرار «مادورو» باعتقال أكثر من مائة رجل أعمال، ثم إعلانه عن قانون يحدد أرباح الشركات، ثم هجومه العاصف على «الهمج النصابين»، دفعت مافيا الرأسمالية المتوحشة إلى استخدام «فزاعة» تافهة تحولت خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى «أسطوانة مشروخة» يرددها «الخبراء» المأجورون فى مراكز الرأسمالية المتوحشة فى أمريكا وأوروبا، فقد راحت المافيا وخبراؤها يحذرون من السياسات الاقتصادية الاشتراكية الفاشلة فى فنزويلا، ويتهمونها بأنها السبب الرئيسى فى «تقييد المعروض من النقد الأجنبى» وزيادة معدلات التضخم.
هذا الكلام التافه هو ذاته الذى يردده رجال الأعمال فى مصر كلما أعلنت الحكومة عن أى توجه للعدالة الاجتماعية، مثل رفع الحد الأدنى للأجور فى الحكومة وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص ليصل فقط إلى 1200 جنيه شهرياً، وقد رأينا كيف انتفض أعضاء الاتحاد العام للغرف الصناعية، والاتحاد العام للغرف التجارية، والاتحادات الفرعية للمصدرين فى كل المجالات، ضد هذا القرار، بحجة أنه سيؤدى إلى خسائر كبيرة لكل شركات القطاع الخاص، وأنه سيؤدى أيضاً إلى إحجام الاستثمارات الأجنبية عن التدفق إلى مصر، والأهم من ذلك -كما قال أحد المسئولين الكبار الذى يعمل مستشاراً من الباطن لعشرات رجال الأعمال- أن رفع الحد الأدنى للأجور سيؤدى فوراً إلى زيادة معدلات التضخم وانفجار جحيم الأسعار.
والحقيقة التى يعرفها جيداً أصغر دارس اقتصاد أن هذا الكلام هو مجرد تضليل وكذب، الهدف منه مواصلة النهب المنظم لاقتصاديات الدول والشعوب، والإفلات من أى محاسبة حقيقية تضع هؤلاء جميعاً فى المكان الذى يستحقونه: السجن بعد التجريس والفضح.. مثلما فعل الرئيس الفنزويلى مع أمثالهم هناك.
ومن يراجع التقارير الدورية لاتحادات المصدرين سيكتشف أنهم حققوا أرباحاً خرافية غير مسبوقة فى تاريخهم كله خلال العامين الأخيرين، فى الوقت الذى قاموا فيه بتخفيض أجور العاملين وتسريح مئات الآلاف من العاملين، بحجة الانفلات الأمنى والانهيار الاقتصادى.
كما أن من يراجع الأسواق يكتشف بسهولة أنهم رفعوا أسعار منتجاتهم الرديئة بمعدلات تتراوح بين 50 و200٪ خلال عامين فقط، وأكاد أجزم بأننا لو أرسلنا مفتشين يتحلون بالكفاءة والأمانة إلى مصانع وشركات رجال الأعمال الكبار لتقدير تكلفة الإنتاج، فسوف نكتشف أنهم من هذا النوع من «الهمج النصابين» الذين يحققون أرباحاً تتراوح بين 100 و1000٪ وأنهم لا يتورعون عن تعطيل بعض خطوط الإنتاج وطرد مهندسيها وعمالها إذا انخفضت أرباح إنتاجها عن 100٪!
هل نحن فى حاجة إلى قرارات ثورية تشبه قرارات الرئيس الفنزويلى مع «الهمج النصابين»؟ لا أشك فى ذلك على الإطلاق.